للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في العيش وخداع بألفاظ معسولة ليس تحتها سوى إهمال التكليف وهجران الشرع، ولذلك خفوا على القلوب، ولا دلالة على أنهم أرباب باطل أوضح من محبة طباع أرباب الدنيا لهم كمحبتهم أرباب اللهو والمغنيات.

قال ابن عقيل: فإن قال قائل: هم أهل نظافة ومحاريب وحسن سمت وأخلاق، قال: فقلت لهم: لو لم يضعوا طريقة يجتذبون بها قلوب أمثالكم لم يدم لهم عيش، والذي وصفتهم به رهبانية النصرانية، ولو رأيت نظافة أهل التطفيل على الموائد ومخانيث بغداد ودماثة (١) المغنيات لعلمت أن طريقهم طريقة الفكاهة والخداع، وهل يخدع الناس إلا بطريقة أو لسان، فإذا لم يكن للقوم قدم فى العلم ولا طريقة فبماذا يجتذبون به قلوب أرباب الأموال.

واعلم أن حمل التكليف صعب، ولا أسهل على أهل الخلاعة من مفارقة الجماعة، ولا أصعب عليهم من حجر ومنع صدر عن أوامر الشرع ونواهيه، وما على الشريعة أضر من المتكلمين والمتصوفين، فهؤلاء يفسدون عقائد الناس بتوهيمات شبهات العقول، وهؤلاء يفسدون الأعمال ويهدمون قوانين الأديان، يحبون البطالات وسماع الأصوات، وما كان السلف كذلك بل كانوا في باب العقائد عبيد تسليم، وفي الباب الآخر أرباب جد. قال: ونصيحتي إلى إخواني أن لا يقرع أفكار قلوبهم كلام المتكلمين ولا تصغي مسامعهم إلى خرافات المتصوفين، بل الشغل بالمعاش أولى من بطالة الصوفية، والوقوف على الظواهر أحسن من توغل المنتحلة، وقد خبرت طريقة الفريقين، فغاية هؤلاء الشك وغاية هؤلاء الشطح.

قال ابن عقيل: والمتكلمون عندي خير من الصوفية، لأن المتكلمين قد يزيلون الشك والصوفية يوهمون التشبيه. فأكثر كلامهم يشير إلى إسقاط السفارات والنبوات. فإذا قالوا عن أصحاب الحديث قالوا: أخذوا علمهم ميتا عن ميت. فقد طعنوا في النبوات وعولوا على الواقع. ومتى أزرى على طريق سقط الأخذ به. ومن قال: حدثني قلبي عن ربي فقد صرح انه غني عن الرسول، ومن صرح بذلك فقد كفر. فهذه كلمة مدسوسة في الشريعة تحتها هذه الزندقة، ومن رأيناه يزري (٢) على النقل علمنا أنه قد عطل أمر الشرع. وما يؤمن هذا القائل: حدثني قلبي عن ربي أن يكون.


(١) الدماثة: السهولة.
(٢) أزرى: عاب.

<<  <   >  >>