للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا من الملح ليعتاد السهر ولا يأخذه النوم،

قال المصنف : وهذا فعل قبيح لا يحل لمسلم أن يؤذي نفسه، وهو سبب للعمى، ولا تجوز إدامة السهر لأن فيه إسقاط حق النفس. والظاهر أن دوام السهر والتقليل من الطعام أخرجه إلى هذه الأحوال والأفعال.

وبإسناد عن أبي عبد الله الرازي قال: كساني رجل صوفا فرأيت على رأس الشبلي قلنسوة (١) تليق بذلك الصوف فتمنيتها في نفسي، فلما قام الشبلي من مجلسه التفت إلي فتبعته، وكان عادته إذا أراد أن أتبعه يلتفت إلي، فلما دخل داره، فقال: أنزع الصوف فنزعته، فلفه وطرح القلنسوة عليه، ودعا بنار فأحرقهما.

قلت: وقد حكى أبو حامد الغزالي أن الشبلي أخذ خمسين دينارا فرماها في دجلة، وقال: ما أعزك أحد إلا أذله الله. وأنا أتعجب من أبي حامد أكثر من تعجبي من الشبلي، لأنه ذكر ذلك على وجه المدح لا على وجه الإنكار، فأين أثر الفقه.

وبإسناد عن حسين بن عبد الله القزويني، قال: حدثني من كان مجالسا بلبنان أنه قال: تعذر (٢) علي قوتي يوما ولحقني ضرورة، فرأيت قطعة ذهب مطروحة (٣) في الطريق فأردت أخذها، فقلت: لقطة (٤) فتركتها، ثم ذكرت الحديث الذي يروي ﴿لو أن الدنيا كانت دما عبيطا لكان قوت المسلم منها حلالا﴾ (٥)، فأخذتها وتركتها في فمي ومشيت غير بعيد، فإذا أنا بحلقة فيها صبيان وأحدهم يتكلم عليهم، فقال له واحد: متى يجد العبد حقيقة الصدق؟ فقال: إذا رمى القطعة من الشدق، فأخرجتها من فمي ورميتها.

قال المصنف : لا تختلف الفقهاء إن رميه إياها لا يجوز، والعجب أنه رماها بقول صبي لا يدري ما قال. وقد حكى أبو حامد الغزالي، أن شقيقا البلخي جاء إلى أبي القاسم الزاهد وفي طرف كسائه شيء مصرور، فقال له: أي شيء معك؟ قال: لوزات دفعها إلى أخ لى،


(١) القلنسوة: نوع من ملابس الرأس.
(٢) أي تعسر.
(٣) أي ملقاة.
(٤) اللقطة: الشيء المتروك لا يعرف له مالك.
(٥) قال الزركشي: لا أصل له. وقال النجم: هو من كلام الفضيل بن عياض.

<<  <   >  >>