للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل هذا منبعه من قلة العلم وسوء الفهم

أخبرنا ابن حبيب، نا ابن أبي صادق، نا ابن باكويه، ثنا أبو الفرج الورياني، ثنا أحمد بن الحسن بن محمد، ثني محمد بن جعفر الوراق، ثنا أحمد ابن العباس المهلبي، قال: سمعت طيفور - وهو أبو يزيد يقول: العارفون في زيارة الله تعالى في الآخرة على طبقتين: طبقة تزوره متى شاءت وأنى شاءت، وطبقة تزوره مرة واحدة ثم لا تزوره بعدها أبدا، فقيل له كيف ذلك؟ قال: إذا رآه العارفون أول مرة جعل لهم سوقا ما فيه شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء، فمن دخل منهم السوق لم يرجع إلى زيارة الله أبدا، قال: وقال أبو يزيد: في الدنيا يخدعك بالسوق وفي الآخرة يخدعك بالسوق، فأنت أبدا عبد السوق.

قال المصنف : تسمية ثواب الجنة خديعة وسببا للانقطاع عن الله ﷿ جهل قبيح، وإنما يجعل لهم السوق ثوابا لا خديعة، فإذا أذن لهم في أخذ ما في السوق ثم عوقبوا بمنع الزيارة فقد صارت المثوبة عقوبة. ومن أين له أن من أختار شيئا من ذلك السوق لم يعد إلى زيارة الله ولا يراه أبدا، نعوذ بالله من هذا التخليط والتحكم في العلم والأخبار عن هذه المغيبات التي لا يعلمها إلا نبي، فمن اين له علمها وكيف يكون، كما قال أبو هريرة راوي الحديث لسعيد بن المسيب: «جمعني الله وأياك في سوق الجنة» (١) أفتراه طلب ترك العقوبة بالبعد عن الله ﷿، لكن بعد هؤلاء عن العلم واقتناعهم بواقعاتهم الفاسدة أوجب هذا التخليط، وليعلم أن الخواطر والواقعات إنما هي ثمرات علمه، فمن كان عالما كانت خواطره صحيحة لانها تمرات علمه، ومن كان جاهلا فثمرات الجهل كلها حظه

ورأيت بخط ابن عقيل: جاز (٢) أبو يزيد على مقابر اليهود، فقال: ما هؤلاء حتى تعذبهم كف عظام … جرت عليهم القضايا (٣) أعف عنهم

قال المصنف : وهذا قلة علم وهوان قوله: كف عظام، احتقار للآدمي، فإن المؤمن إذا مات كان كف عظام. وقوله: جرت عليهم القضايا، فكذلك جرى على فرعون. وقوله: أعف عنهم، جهل بالشريعة لأن الله ﷿ أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا، فلو قبلت شفاعته في كافر لقبل سؤال إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه في أبيه، ومحمد


(١) رواه الترمذي وابن ماجه وفيه وصف للسوق. قال الترمذي: حديث غريب.
(٢) أي مر
(٣) أي الاحكام والمقادير.

<<  <   >  >>