للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن رسول الله طاف على نسائه بغسل واحد (١)، فهلا اقتصر على شهوة واحدة. أوليس في «الصحيحين» أن رسول الله كان يأكل القثاء بالرطب وهاتان شهوتان. أو ما أكل عند أبي الهيثم ابن التيهان خبزا وشواء وبسرا (٢) وشرب ماء باردا. أو ما كان الثوري يأكل اللحم والعنب والفالوذج ثم يقوم فيصلي، أو ما تعلف الفرس الشعير والتبن والقت (٣). وتطعم الناقة الخبط (٤) والحمض (٥)، وهل البدن الاناقة. وإنما نهى بعض القدماء عن الجمع بين إدامين على الدوام لئلا يتخذ ذلك عادة فيحوج إلى كلفة، وانما تجنيب فضول الشهوات لئلا يكون سببا لكثرة الأكل وجلب النوم، ولئلا تتعود فيقل الصبر عنها فيحتاج الانسان إلى تضييع العمر في كسبها وربما تناولها من غير وجهها. وهذا طريق السلف في ترك فضول الشهوات. والحديث الذي احتجوا به «احرموا أنفسكم طيب الطعام» حديث موضوع عملته يدا بزيغ الراوي. وأما إذا أقتصر الإنسان على خبز الشعير والملح الجريش فإنه ينحرف مزاجه، لأن خبز الشعير يابس مجفف و الملح يابس قابض يضر الدماغ والبصر، وتقليل المطعم يوجب تنشيف المعدة وضيقها. وقد حكى يوسف الهمداني عن شيخه عبد الله الحوفي أنه كان يأكل خبز البلوط بغير إدام وكان أصحابه يسألونه أن يأكل شيئا من الدهن والدسومات فلا يفعل.

قال المصنف : وهذا يورث القولنج الشديد. واعلم أن المذموم من الأكل إنما هو فرط الشبع وأحسن الآداب في المطعم أدب الشارع .

أخبرنا ابن الحصين، نا ابن المذهب، نا أبو بكر بن حمكان، ثنا عبد الله ابن أحمد، ثنى أبي، ثنا أبو المغيرة، ثنا سليمان بن سليم الكناني، ثنا يحيى بن جابر الطائي، قال: سمعت المقدام بن معدي كرب يقول: سمعت رسول الله صلى الله ع عليه وسلم يقول: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من


(١) رواه مسلم
(٢) البسر: الثمر اذا لوح ولم ينضج.
(٣) القت: حب بري يأكله أهل البادية بعد دقه وطبخه.
(٤) الخبط: ورق الشجر ينفض بالمخابط.
(٥) الحمض: ما ملح وأمر من النبات، الواحدة: حمضة.

<<  <   >  >>