للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم جاء أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي. وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمراقعة والسماع (١) والوجد والرقص والتصفيق وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة. ثم ما زال الأمر ينمي والأشياخ يضعون لهم أوضاعا ويتكلون بواقعاتهم. ويتفق بعدهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في (٢) العلوم حتى سموه العلم الباطن، وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر. ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به. وهؤلاء بين الكفر والبدعة ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم. فمن هؤلاء من قال بالحلول (٣) ومنهم من قال بالاتحاد (٤). وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننا. وجاء أبو عبد الرحمن السلمي فصنف لهم كتاب السنن وجمع لهم حقائق التفسير، فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إلى أصل من أصول العلم، وإنما حملوه على مذاهبهم والعجب من ورعهم في الطعام وانبساطهم في القرآن. وقد أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري: قال: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئا يسيرا، فلما مات الحاكم أبو عبد الله ابن البيع حدث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواه، وكان يضع للصوفية الاحاديث.

قال المصنف: وصنف لهم أبو نصر السراج كتابا سماه «لمع الصوفية» ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول ما سنذكر منه جملة إن شاء الله تعالى. وصنف لهم أبو طالب المكي «قوت القلوب» فذكر فيه الأحاديث الباطلة وما لا يستند فيه إلى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع، وذكر فيه الاعتقاد الفاسد. وردد فيه قول - قال بعض المكاشفين - وهذا كلام فارغ وذكر فيه عن بعض الصوفية إن الله ﷿ يتجلى في الدنيا لاوليائه.


(١) الذكر المبتدع على شكل غناء.
(٢) أي أتم العلوم.
(٣) اي حلول الخالق بالمخلوق.
(٤) اي اتحاد الخالق والمخلوق.

<<  <   >  >>