للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه وسلم ينزل الله إلى سماء الدنيا (١) قالوا: ولا ينزل إلا من هو فوق. وهؤلاء حملوا نزوله على الأمر الحسي الذي يوصف به الأجسام. وهؤلاء المشبهة الذين حملوا الصفات على مقتضى الحس. وقد ذكرنا جمهور كلامهم في كتابنا المسمى ب «منهاج الوصول إلى علم الأصول. وربما تخيل بعض المشبهة في رؤية الحق يوم القيامة لما يراه في الأشخاص فيمثله شخصا يزيد حسنه على كل حسن، فتراه يتنفس من الشوق اليه، ويمثل الزيادة فيزداد توقه، ويتصور رفع الحجاب فيقلق، ويتذكر الرؤية فيغشى عليه. ويسمع في الحديث أنه يدني عبده المؤمن اليه فيتخايل القرب الذاتي كما يجالس الجنس، وهذا كله جهل بالموصف.

ومن الناس من يقول: لله وجه هو صفة زائدة على صفة ذاته لقوله ﷿: ﴿ويبقى وجه ربك﴾ (الرحمن: ٢٧) / وله يد وله أصبع لقول رسول الله : «يضع السموات على أصبع» وله قدم إلى غير ذلك مما تضمنته الأخبار، وهذا كله إنما استخرجوه من مفهوم الحس. وإنما الصواب قراءة الآيات والأحاديث من غير تفسير ولا كلام فيها وما يؤمن (٢) هؤلاء أن يكون المراد بالوجه الذات لا أنه صفة زائدة، وعلى هذا فسر الآية المحققون، فقالوا: ويبقى ربك وقالوا في قوله: «يريدون وجهه: يريدونه. وما يؤمنهم أن يكون أراد بقوله: «قلوب العباد بين إصبعين (٣)» ان الاصبع لما كانت هي المقلبة للشيء وأن ما بين الإصبعين يتصرف فيه صاحبها كيف شاء ذكر ذلك لا أن ثم صفة زائدة.

قال المصنف: والذي أراه السكوت عن هذا التفسير أيضا إلا أنه يجوز أن يكون مرادا، ولا يجوز أن يكون ثم ذات تقبل التجزء والانقسام. ومن أعجب أحوال الظاهرية قول السالمية: أن الميت يأكل في القبر ويشرب وينكح، لأنهم سمعوا بنعيم ولم يعرفوا من النعيم الا هذا، ولو قنعوا بما ورد.


(١) رواه الجماعة، عن أبي هريرة ولفظ البخاري: ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له».
(٢) اي وما يدريهم.
(٣) رواه مسلم واحمد عن ابن عمر.

<<  <   >  >>