للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسألته أي شيء كان ذلك الحال؟ قال: لما ذكروا السبع وجدت في نفسي فزعا فقلت: لأطرحنك إلى ما تفزعين منه.

قلت: لا يخفى على عاقل تخبيط هذا الرجل قبل أن يقع في الماء والطين. وكيف يجوز للإنسان أن يلقي نفسه في ماء وطين، وهل هذا إلا فعل المجانين؟ وأين الهيبة والتعظيم من قوله: ترى ما يفعل بي، وما وجه هذا الانبساط، وينبغي أن تجف الألسن في أفواهها هيبة، ثم ما الذي يريده غير الذكر. ولقد خرج عن الشريعة بخروجه إلى السبع ومشيه على القصب المقطوع. وهل يجوز في الشرع أن يلقي الإنسان نفسه إلى سبع، أترى أراد منها أن يغير ما طبعت عليه من خوف السباع، ليس هذا في طوقها (١) ولا طلبه الشرع منها. ولقد سمع هذا الرجل بعض أصحابه يقول مثل هذا القول فأجابه بأجود جواب.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن حبيب، نا علي بن أبي صادق، نا ابن باكوه، نا يعقوب الحواط، نا أبو أحمد المغازي، قال: رأيت النوري وقد جعل نفسه إلى أسفل ورجليه إلى فوق وهو يقول: من الخلق أو حشتني، ومن النفس والمال والدنيا أفقرتني، ويقول: ما معك إلا علم وذكر، قال: فقلت له: ان رضيت والا فانطح برأسك الحائط.

أخبرنا محمد بن أبي القاسم، أنبأنا الحسن بن محمد بن الفضل الكرماني، نا سهل بن علي الخشاب، نا عبد الله بن علي السراج، قال: سمعت أبا عمرو بن علوان يقول: حمل أبو الحسين النوري ثلاثمائة دينار ثمن عقار بيع له، وجلس على قنطرة وجعل يرمي واحدا واحدا منها إلى الماء ويقول: جئتنى تريدين أن تخدعيني منك بمثل هذا. قال السراج: فقال بعض الناس: لو أنفقها في سبيل الله كان خيرا له. فقلت: إن كانت تلك الدنانير تشغله عن الله طرفة عين كان الواجب أن يرميها في الماء دفعة واحدة حتى يكون أسرع لخلاصه من فتنتها، كما قال الله ﷿: ﴿فطفق مسحا بالسوق والاعناق﴾ (ص: ٣٣).

قلت: لقد أبان هؤلاء القوم عن جهل بالشرع وعدم عقل. وقد بينا فيما تقدم أن الشرع أمر بحفظ المال وأن لا يسلم إلا إلى رشيد، وجعله قواما (٢) للآدمي. والعقل يشهد بأنه إنما خلق للمصالح، فإذا رمى به الانسان.


(١) أي قدرتها.
(٢) قوام الأمر: عماده وما يقوم به.

<<  <   >  >>