للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن في الأمم محدثين، وإن يكن في أمتي فعمر» (١) والمراد بالتحديث إلهام الخير، إلا أن هذا الملهم لو ألهم ما يخالف العلم لم يجز له أن يعمل عليه. وأما الخضر فقد قيل: أنه نبي (٢). ولا ينكر للأنبياء الإطلاع بالوحي على العواقب، وليس الإلهام من العلم في شيء انما هو ثمرة العلم والتقوى فيوفق صاحبهما للخير ويلهم الرشد. فأما أن يترك العلم ويقول: أنه يعتمد على الإلهام والخواطر فليس هذا بشيء، إذ لولا العلم النقلي ما عرفنا ما يقع في النفس أمن الإلهام للخير أو الوسوسة من الشيطان. واعلم أن العلم الإلهامي الملقى في القلوب لا يكفي عن العلم المنقول، كما أن العلوم العقلية لا تكفي عن العلوم الشرعية، فإن العقلية كالأغذية والشرعية كالأدوية ولا ينوب هذا عن هذا.

وأما قوله: أخذوا علمهم ميتا عن ميت، أصلح ما ينسب إليه هذا القائل أنه ما يدري ما في ضمن هذا القول وإلا فهذا طعن على الشريعة.

أنبأنا ابن الحصين، نا ابن المذهب، نا أبو حفص بن شاهين، قال: من الصوفية من رأى الاشتغال بالعلم بطالة، وقالوا: نحن علومنا بلا واسطة. قال: وما كان المتقدمون في التصوف الا رؤوسا في القرآن والفقه والحديث والتفسير، ولكن هؤلاء أحبوا البطالة. وقال أبو حامد الطوسي: اعلم أن ميل أهل التصوف الى العلوم الالهيه دون التعليمية، ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون. بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة، وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم، ويخلو بنفسه في زاوية، ويقتصر على الفرائض والرواتب، ولا يقرن همه بقراءة قرآن ولا بالتأمل في نفسه، ولا يكتب حديثا ولا غيره، ولا يزال يقول: الله الله الله (٣) إلى أن ينتهي إلى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحي عن القلب صورة اللفظ.

قال المصنف : قلت: عزيز علي أن يصدر هذ الكلام من فقيه، فإنه لا يخفى قبحه، فانه على الحقيقة طي لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة.


(١) رواه البخاري في «صحيحه» بلفظ «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فان يك في أمتي أحد فأنه عمر».
(٢) وهو الصواب لأدلة كثيرة ذكرها العلماء.
(٣) الذكر الصحيح هو قول: لا اله الا الله وهو افضل الذكر كما صح عن النبي . أما الذكر بلفظ الجلالة فهو ذكر مبتدع.

<<  <   >  >>