للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حين تزود لما خرج إلى الغار قد خرج من التوكل وكذلك موسى لما طلب الخضر تزود حوتا. وأهل الكهف حين خرجوا فاستصحبوا دراهم استخفوا ما معهم، وإنما خفي على هؤلاء معنى التوكل لجهلهم. وقد أعتذر لهم أبو حامد، فقال: لا يجوز دخول المفازة بغير زاد إلا بشرطين: أحدهما أن يكون الإنسان قد راض نفسه حيث يمكنه الصبر عن الطعام أسبوعا ونحوه والثاني أن يمكنه التقوت بالحشيش ولا تخلو البادية من أن يلقاه آدمي بعد أسبوع أو ينتهي إلى حلة (١) أو حشيش يرجى به قوته.

قال المصنف : قلت: أقبح ما في هذا القول أنه صدر من فقيه، فإنه قد لا يلقى أحدا وقد يضل وقد يمرض فلا يصلح له الحشيش، وقد يلقى من لا يطعمه ويتعرض بمن لا يضيفه وتفوته الجماعة قطعا وقد يموت ولا يأبه له أحد ثم قد ذكرنا ما جاء في الوحدة ثم ما المخرج إلى هذه المحن إن كان يعتمد فيها على عادة أو لقاء شخص واجتزاء بحشيش، وأي فضيلة في هذه الحال حتى يخاطر فيها بالنفس. وأين أمر الإنسان أن يتقوت بحشيش، ومن فعل هذا من السلف وكأن هؤلاء القوم يجزمون (٢) على الله سبحانه أن يرزقهم في البادية. ومن طلب الطعام في البرية فقد طلب ما لم تجر به العادة، ألا ترى أن قوم موسى لما سألوا من بقلها وقتائها وفومها وعدسها وبصلها أوحى الله إلى موسى أن اهْبِطُوا مِصْراً وذلك لأن الذي طلبوه في الأمصار فهؤلاء القوم على غاية الخطأ في مخالفة الشرع والعقل والعمل بموافقات النفس.

أخبرنا محمد بن ناصر، نا المبارك بن عبد الجبار، نا عبد العزيز بن علي الأزجي، نا إبراهيم بن محمد بن جعفر الساجي، نا أبو بكر عبد العزيز ابن جعفر، ثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال، نا الحسن بن أحمد الكرماني ثنا أبو بكر، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن متوكلون، فيحجون فيأتون إلى مكة فيسألون الناس، فأنزل الله ﷿: ﴿وتزودوا فان خير الزاد التقوى﴾ (البقرة: ١٩٧).

أخبرنا أبو المعمر الأنصاري، نا يحيى بن عبد الوهاب بن منده، نا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم، نا محمد بن حسان، ثنا أبو بكر


(١) الحلة: المحلة.
(٢) جزم عليه الشيء: أوجبه.

<<  <   >  >>