للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حضرت أبا عبد الله الجلاء، وقيل له عن هؤلاء الذين يدخلون البادية بلا زاد ولا عدة: يزعمون أنهم متوكلون فيموتون في البراري، فقال: هذا فعل رجال الحق فإن ماتوا فالدية على القاتل.

أخبرنا ابن ناصر، أنبأنا أحمد بن علي بن خلف، نا أبو عبد الرحمن السلمي، قال سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أحمد بن علي يقول: قال رجل لأبي عبد الله بن الجلاء: ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد، قال: هذا من فعل رجال الله، قال: فإن مات، قال: الدية على القاتل.

قال المصنف : قلت: هذه فتوى جاهل بحكم الشرع إذ لا خلاف بين فقهاء الإسلام أنه لا يجوز دخول البادية بغير زاد، وإن من فعل ذلك فمات بالجوع فإنه عاص لله تعالى مستحق لدخول النار. وكذلك إذا تعرض بما غالبه العطب، فإن الله جعل النفوس وديعة عندنا، فقال: ﴿ولا تقتلوا انفسكم﴾ (النساء: ٢٩)، وقد تكلمنا فيما تقدم في وجوب الاحتراز من المؤذي ولو لم يكن المسافر بغير زاد، إلا أنه خالف أمر الله في قوله «وتزودا». أخبرنا أبو بكر بن حبيب، نا أبو سعد بن أبي صادق، نا ابن باكويه، قال: سمعت أبا أحمد الكبير يقول: سمعت أبا عبد الله بن خفيف، قال: خرجت من شيراز في السفرة الثالثة فتهت في البادية وحدي وأصابني من الجوع والعطش ما أسقط من أسناني ثمانية وانتثر شعري كله.

قال المصنف : قلت: هذا قد حكى عن نفسه ما ظاهره طلب المدح على ما فعل والذم لاحق به.

أخبرنا أبو منصور القزاز، نا أحمد بن علي بن ثابت، نا عبد الكريم ابن هوزان، قال: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الواعظ، وأخبرنا أبو بكر بن حبيب، نا أبو سعد بن أبي صادق، نا أبو عبد الله بن باكويه واللفظ له، ثنا أبو الفضل يوسف بن علي البلخي، ثنا محمد بن عبد الله أبو حمزة الصوفي، قال: إني لاستحى من الله أن أدخل البادية وأنا شبعان، وقد اعتقدت التوكل لئلا يكون شبعي زادا تزودته.

قال المصنف : قلت: وقد سبق الكلام على مثل هذا، وإن هؤلاء القوم ظنوا أن التوكل ترك الأسباب، ولو كان هكذا لكان رسول الله.

<<  <   >  >>