للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السعي إلى المساجد وتوطنوا (١) على فراش الراحة وتركوا الكسب، وقد قال أبو حامد الغزالي في كتاب «الاحياء»: مقصود الرياضة تفريغ القلب وليس ذلك الا بالخلوة في مكان مظلم. وقال: فإن لم يكن مكان مظلم فيلف رأسه في جبته أو يتدثر بكساء، أو أزار. ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال حضرة الربوبية.

قال المصنف : قلت: أنظر إلى هذه الترتيبات، والعجب كيف تصدر من فقيه عالم، ومن أين له أن الذي يسمعه نداء الحق وأن الذي يشاهده جلال الربوبية وما يؤمنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة، وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل في المطعم، فإنه يغلب عليه الماليخوليا (٢). وقد يسلم الإنسان في مثل هذه الحالة من الوساوس إلا أنه إذا تغشى بثوبه وغمض عينيه تخايل هذه الأشياء، لأن في الدماغ ثلاث قوى: قوة يكون بها التخيل، وقوة يكون بها الفكرة، وقوة يكون بها الذكر، وموضع التخيل البطنان المقدمان من بطون الدماغ، وموضع التفكر البطن الأوسط من بطون الدماغ، وموضع الحفظ الموضع المؤخر، فإن أطرق الإنسان وغمض عينيه جال الفكر والتخيل، فر خالات فيظنها ما ذكر من حضرة جلال الربوبية إلى غير ذلك، نعوذ بالله من هذه الوساوس والخيالات الفاسدة.

أخبرنا محمد ابن أبي القاسم، نا رزق الله بن عبد الوهاب، نا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت أبا بكر البجلي يقول: سمعت أبا عثمان ابن الآدمي، قال: كان أبو عبيد التستري إذا كان أول يوم من شهر رمضان يدخل البيت ويقول لامرأته: طيني باب البيت وألق إلي كل ليلة من الكوة رغيفا فإذا كان يوم العيد دخلت فوجدت ثلاثين رغيفا في الزاوية ولا أكل ولا شرب ولا يتهيأ لصلاة، ويبقى على طهر واحد إلى آخر الشهر.

قال المصنف : هذه الحكاية عندي بعيدة عن الصحة من وجهين: أحدها بقاء الآدمي شهرا لا يحدث بنوم ولا بول ولا غائط ولا ريح. والثاني ترك المسلم صلاة الجمعة والجماعة وهي واجبة لا يحل تركها، فإن صحت هذه الحكاية فما أبقى إبليس لهذا في التلبيس بقية.


(١) توطن البلد: اتخذه وطنا، ووطن المكان: أقام به.
(٢) أي مرض السواداء، وهو من أمراض النفس.

<<  <   >  >>