للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بطبيعة تخرجه عن طباعنا بالدعوى كذبناه، وإنما هذه خدع الشيطان للمدعين

القسم الخامس - قوم صحبوا المردان ومنعوا أنفسهم من الفواحش يعتقدون ذلك مجاهدة، وما يعلمون أن نفس صحبتهم والنظر إليهم بشهوة معصية، وهذه من خلال الصوفية المذمومات، وقد كان قدماؤهم على غير هذا، وقيل: كانوا على هذا بدليل وهو ما أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنشدنا ابو على الروذبارى:

أنزه في روض المحاسن مقلتي … وأمنع نفسي أن تنال محرما

وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه … على الجبل الصلد الأصم تهدما

قال المصنف : وسيأتي حديث يوسف بن الحسين. وقوله: عاهدت ربي أن لا أصحب حدثا مائة مرة، ففسخها (١) على قوام القدود وغنج العيون

أخبرتنا شهدة الكاتبة بإسناد عن أبي المختار الضبي، قال: حدثني أبي، قال: قلت لأبي الكميت الأندلسي - وكان جوالا في أرض الله - حدثني بأعجب ما رأيت من الصوفية، قال: صحبت رجلا منهم يقال له: مهرجان، وكان مجوسيا فأسلم وتصوف، فرأيت معه غلاما جميلا لا يفارقه، وكان إذا جاء الليل قام فصلى ثم ينام إلى جانبة،: ثم يقوم فزعا فيصلي ما قدر له ثم يعود فينام إلى جانبه حتى فعل ذلك مرارا، فإذا أسفر الصبح أو كاد يسفر أوتر، ثم رفع يديه وقال: اللهم إنك تعلم أن الليل قد مضى علي سليما لم أقترف فيه فاحشة، ولا كتبت على الحفظة فيه معصية، وأن الذي أضمره بقلبي لو حملته الجبال لتصدعت أو كان بالأرض لتدكدكت (٢)، ثم يقول: يا ليل اشهد بما كان مني فيك فقد منعني خوف الله عن طلب الحرام والتعرض للآثام، ثم يقول: سيدي أنت تجمع بيننا على تقى فلا تفرق بيننا يوم تجمع فيه الأحباب. فأقمت معه مدة طويلة أراه يفعل ذلك في كل ليلة وأسمع هذا القول منه فلما هممت بالانصراف من عنده، قلت له: سمعتك تقول إذا انقضى الليل: كذا وكذا، فقال: وسمعتني؟ قلت: نعم، قال: فوالله يا أخي إني لأداري (٣) من قلبي ما لو داراه سلطان من رعيته لكان الله حقيقا بالمغفرة له، فقلت: وما الذي يدعوك إلى صحبة من تخاف على


(١) اي فسخ اليمين
(٢) اي تهدمت
(٣) دارى: خاتل ولاطف

<<  <   >  >>