بسوء فهمه ما يظنه يوافق مذهب المتأخرين من الصوفية. فانا ما عرفنا هذا في أوائلهم، وبيان فساد استخراجه، أن هذا الذي خرق الثوب ورمى به إن كان حاضرا فما جاز له تخريقه، وإن كان غائبا فليس له تصرف جائز شرعا لا هبة ولا تمليكا. وكذلك يزعمون بأن ثوبه كان كالشيء الذي يقع من الإنسان ولا يدري به، فلا يجوز لاحد أن يمتلكه، وإن كان رماه في حال حضوره لا على أحد فلا وجه لتملكه، ولو رماه على المغنى لم يتملكه، لان التملك لا يكون إلا بعقد شرعي، والرمي ليس بعقد، ثم نقدر أنه ملك للمغني فما وجه تصرف الباقين فيه، ثم اذا تصرفوا فيه خرقوه خرقا، وذلك لا يجوز لوجهين: أحدهما انه تصرف فيما لا يملكونه. والثاني أنه إضاعة للمال. ثم ما وجه أسهام من لم يحضر، فأما حديث أبي موسى، فقال العلماء منهم الخطابي: يحتمل أن يكون رسول الله ﷺ أجازه عن رضى ممن شهد الواقعة أو من الخمس الذي هو حقه. وعلى مذهب الصوفية تعطى هذه الخرقة لمن جاء. وهذا مذهب خارج عن إجماع المسلمين، وما أشبه ما وضع هؤلاء بآرائهم الفاسدة إلا بما وضعت الجاهلية من أحكام البحيرة والسائبة والوصيلة و الحام. قال ابن طاهر: أجمع مشايخنا على أن الخرقة المخرقة وما انبعث من الخرق الصحاح الموافقة لها إن ذلك كله يكون بحكم الجمع يفعلون فيه ما يراه المشايخ. واحتجوا بقول عمر ﵁: الغنيمة لمن شهد الوقعة. وخالفهم شيخنا أبو إسماعيل الأنصاري فجعل الخرقة على ضربين: ما كان مخروقا قسم على الجميع. وما كان سليما دفع إلى القوال. واحتج بحديث سلمة:«من قتل الرجل؟ قالوا: سلمة بن الأكوع. قال: له سلبه أجمع»(١). فالقتل إنما وجد من جهة القوال فالسلب له.
قال المصنف ﵀: أنظروا إخواني عصمنا الله وإياكم من تلبيس إبليس إلى تلاعب هؤلاء الجهلة بالشريعة وإجماع مشايخهم الذي لا يساوي إجماعهم بعرة، فإن مشايخ الفقهاء أجمعوا على أن الموهوب لمن وهب له سواء كان مخرقا أو سليما ولا يجوز لغيره التصرف فيه. ثم إن سلب القتيل كل ما عليه فما بالهم جعلوه ما رم به. ثم ينبغي أن يكون الأمر على عكس ما قاله الانصارى، لان المخروق من الثياب ما كان بسبب الوجد، فينبغي أن يكون المخروق للمغنى دون الصحيح، وكل أقوالهم في هذا محال وهذيان.
(١) في الصحيحين عن أبي قتادة مرفوعا: «من قتل قتيلا له عليه بنية فله سلبه»