للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحمد بن حنبل على تحريم ذلك. ويلحق به الجرافة (١) والجنك لأن هذه تطرب فتخرج عن حد الاعتدال وتفعل في طباع الغالب من الناس ما يفعله المسكر، وسواء استعمل على حزن يهيجه أو سرور، لأن النبي نهى عن صوتين أحمقين صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة، والمكروه القضيب لكنه ليس بمطرب في نفسه وإنما يطرب بما يتبعه وهو تابع للقول، والقول مكروه. ومن أصحابنا من يحرم القضيب كما يحرم آلات اللهو فيكون فيه وجهان كالقول (٢) نفسه. والمباح الدف، وقد ذكرنا عن أحمد انه قال: أرجو أن لا يكون بالدف بأس في العرس ونحوه وأكره الطبل. وقد قال أبو حامد: من أحب الله وعشقه واشتاق إلى لقائه فالسماع في حقه مؤكد لعشقه.

قال المصنف : قلت: وهذا قبيح أن يقال عن الله ﷿ يعشق، وقد بينا فيما تقدم خطأ هذا القول ثم أي توكيد لعشقه في قول المغنى:

ذهبي اللون تحسب من … وجنتيه النار تقتدح

قال المصنف : قلت: وسمع ابن عقيل بعض الصوفية يقول: أن مشايخ هذه الطائفة كلما وقفت طباعهم حداها الحادي إلى الله بالأناشيد، فقال ابن عقيل: لا كرامة لهذا القائل إنما تحدى القلوب بوعد الله في القرآن ووعيده وسنة الرسول لأن الله قال: ﴿وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا﴾ (الأنفال: ٢) وما قال: وإذا أنشدت عليه القصائد طربت فأما تحريك الطباع بالألحان فقاطع عن الله والشعر يتضمن صفة المخلوق والمعشوق مما يتجدد عنه فتنه. ومن سولت له نفسه التقاط العبر من محاسن البشر وحسن الصوت فمفتون. بل ينبغي النظر إلى المحال التي أحالنا عليها الإبل والخيل والرياح ونحو ذلك، فإنها منظورات لا تهيج طبعا بل تورث استعظاما للفاعل، وإنما خدعكم الشيطان فصرتم عبيد شهواتكم، ولم تقفوا حتى قلتم هذه الحقيقة، وأنتم زنادقة في زي عباد، شرهين في زي زهاد، مشبهة تعتقدون أن الله ﷿ يعشق ويهام فيه، ويؤلف ويؤنس به، وبئس التوهم لأن الله ﷿ خلق الذوات مشاكلة (٣) لان أصولها مشاكلة فهى تتأنس وتتألم بأصولها العنصرية.


(١) في نسخة (الحراية)، وهذه كلها أسماء لآلات الملاهي، وفي نسخة «الجرانة».
(٢) وفي نسخة: كالعود.
(٣) متماثلة يشبه بعضها بعضا.

<<  <   >  >>