قال حاتم: فبماذا أسرفت؟ قال: غسلت ذراعك أربعا، قال: يا سبحان الله أنا في كف ماء أسرفت وأنت في جميع هذا الذي أراه كله لم تسرف، فعلم الطنافسي أنه أراده بذلك، فدخل البيت ولم يخرج إلى الناس أربعين يوما، وخرج حاتم إلى الحجاز فلما صار إلى المدينة أحب أن يخصم علماء المدينة، فلما دخل المدينة، قال: يا قوم أي مدينة هذه؟ قالوا: مدينة الرسول ﷺ قال: فأين قصر رسول الله ﷺ حتى أذهب إليه فأصلي فيه ركعتين، قالوا: ما كان لرسول الله ﷺ قصر إنما كان له بيت لاطئ (١) قال: فأين قصور أهله وأصحابه وأزواجه، قالوا: ما كان لهم قصور إنما لهم بيوت لاطئة، فقال حاتم: فهذه مدينة فرعون، قال: فسبوه وذهبوا به إلى الوالي، وقالوا: هذا العجمي يقول: هذه مدينة فرعون، فقال الوالي: لم قلت ذلك، قال حاتم: لا تعجل علي أيها الأمير أنا رجل غريب دخلت هذه المدينة فسألت أي مدينة هذه قالوا: مدينة رسول الله ﷺ، وسألت عن قصر رسول الله ﷺ وقصور أصحابه قالوا: إنما كانت لهم بيوت لاطئة وسمعت الله ﷿ يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، فأنتم بمن تأسيتم برسول الله ﷺ أو بفرعون
قال المصنف: قلت: الويل للعلماء من الزاهد الجاهل الذي يقتنع بعلمه فيرى الفضل فرضا. فان الذي أنكره مباح والمباح مأذون فيه والشرع لا يأذن في شيء ثم يعاتب عليه. فما أقبح الجهل ولو أنه قال لهم: لو قصرتم فيما أنتم لاقتدى الناس بكم كان أقرب حالة، ولو سمع هذا بأن عبد الرحمن ابن عوف، والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم، وفلانا وفلانا من الصحابة خلفوا مالا عظيما أتراه ماذا كان يقول. وقد اشترى تميم الداري حلة بألف درهم وكان يقوم فيها بالليل ففرض على الزاهد التعليم من العلماء فإذا لم يتعلم فليسكت والحديث بإسناد عن مالك بن دينار ﵁ قال: إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز وبإسناد عن حبيب الفارسي يقول: والله أن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز.
قال المصنف: قلت: المراد بالقراء الزهاد، وهذا اسم قديم لهم معروف، والله الموفق للصواب واليه المرجع والمآب
(١) لطيء بالأرض: لصق بها. والمقصود أنه بيت غير مرتفع.