للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنهما بغير الذي هما له أهل، ولولا أنهم يرون أنك تضمر لهما مثل ما أعلنوا ما اجترأوا على ذلك، قال علي: أعوذ بالله، أعوذ بالله أن أضمر لهما إلا الذي ائتمنني النبي عليه، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله وصاحباه ووزيراه رحمة الله عليهما، ثم نهض دامع العينين يبكي قابضا على يدي حتى دخل المسجد، فصعد المنبر وجلس عليه متمكنا قابضا على لحيته وهو ينظر فيها، وهي بيضاء حتى اجتمع لنا الناس، ثم قام فتشهد بخطبة موجزة بليغة، ثم قال: ما بال أقوام يذكرون سيدي قربش وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه، ومما قالوه بريء، وعلى ما قالوا معاقب. أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (١) لا يحبهما إلا مؤمن تقي ولا يبغضهما إلا فاجر شقي، صحبا رسول الله على الصدق والوفاء، يأمران وينهيان ويغضبان ويعاقبان فما يتجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله ، ولا كان رسول رسول الله يرى غير رأيهما، ولا يحب كحبهما أحدا، مضى رسول الله وهو راض عنهما. ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمره رسول الله على صلاة المؤمنين فصلى بهم تسعة أيام في حياة رسول الله ، فلما قبض الله نبيه واختار له ما عنده. ولاه المؤمنون ذلك، وفوضوا إليه الزكاة ثم أعطوه البيعة طائعين غير مكرهين، وأنا أول من سن له ذلك من بني عبد المطلب وهو لذلك كاره، يود لو أن منا أحدا كفاه ذلك. وكان والله خير من أبقى أرحمه رحمة وأرأفه رأفة وأسنه ورعا وأقدمه سنا وإسلاما. شبهه رسول الله بميكائيل رأفة ورحمة، وبإبراهيم عفوا ووقارا فسار بسيرة رسول الله حتى مضى على ذلك رحمة الله عليه. ثم ولى الامر بعده لعمر وكنت فيمن رضي. فأقام الأمر على منهاج رسول الله وصاحبه. يتبع أثرهما كما يتبع الفصيل (٢) أثر أمه، وكان والله رفيقا رحيما بالضعفاء، ناصرا للمظلومين على الظالمين، لا يأخذه في الله لومة لائم وضرب الله الحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى إن كنا لنظن أن ملكا ينطق على لسانه أعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قواما، وألقى له في قلوب المنافقين الرهبة. وفي قلوب المؤمنين المحبة، شبهه رسول الله بجبريل فظا غليظا على


(١) النسمة: كل دابة فيها روح. وبرأها: خلقها.
(٢) الفصيل ولد الناقة او البقرة اذا فصل عن أمه

<<  <   >  >>