للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكرته هذه ظلمة إذ كان فيها جحود لقدرة غيره فقامت الظلمة تغالبه. وكان مما سنه زاردشت عبادة النار والصلاة إلى الشمس، يتأولون فيها أنها ملكة العالم وهي التي تأتي بالنهار وتذهب بالليل وتحيي النبات والحيوانات وترد الحرارات إلى أجسادها. وكانوا لا يدفنون موتاهم في الارض تعظيما لها، ويقولون انها نشوء الحيوانات فلا نقذرها. وكانوا لا يغتسلون بالماء تعظيما له، وقالوا: لأن به حياة كل شيء إلا أن يستعملوا قبله بول البقر ونحوه. ولا يبزقون فيه، ولا يرون قتل الحيوانات ولا ذبحها. وكانوا يغسلون وجوههم ببول البقر تبركا به وإذا كان عتيقا كان أكثر بركة. ويستحلون فروج الأمهات، قالوا: الابن أحرى بتسكين شهوة أمه. وإذا مات الزوج فابنه أولى بالمرأة، فإن لم يكن له ابن اكترى رجل من مال الميت. ويجيزون للرجل أن يتزوج بمائة وألف وإذا أرادت الحائض أن تغتسل دفعت دينارا إلى الموبذ (١) ويحملها إلى بيت النار ويقيمها على أربع وينظفها بسبابته. وأظهر هذا الأمر مزدك في أيام قباذ، وأباح النساء لكل من شاء، ونكح نساء قباذ لتقتدي به العامة فيفعلون في النساء مثله، فلما بلغ الى أم انوشروان قال لقباذ: أخرجها إلي فإنك إن منعتني شهوتي لم يتم إيمانك، فهم بإخراجها فجعل انوشروان يبكي بين يدي مزدك ويقبل رجله بين يدي أبيه قباذ ويسأله أن يهب له أمه، فقال قباذ لمزدك: ألست تزعم أن المؤمن لا ينبغي أن يرد عن شهوته؟ قال بلى، قال: فلم ترد انوشروان عن شهوته؟ قال: قد وهبتها له. ثم اطلق للناس في أكل الميتة، فلما ولى انوشروان أفنى المزدكية هو. ومن أقوال المجوس: أن الارض لا نهاية لها من أسلفها، وأن السماء جلد من جلود الشياطين، والرعد إنما هو حركة خرخرة العفاريت المحبوسة في الأفلاك المأسورة في حرب، والجبال من عظامهم والبحر من أبوالهم ودمائهم

ونبغ للمجوس رجل في زمان انتقال دولة بني أمية إلى بني العباس، واستغوى خلقا وجرت له قصص يطول الأمر بذكرها، فهو آخر من ظهر للمجوس. وذكر بعض العلماء أنه كان للمجوس كتب يدرسونها وأنهم أحدثوا دينا فرفعت كتبهم

ومن أظرف تلبيس إبليس عليهم، أنهم رأوا في الأفعال خيرا وشرا فسول لهم أن فاعل الخير لا يفعل الشر، فأثبتوا إلهين وقالوا: أحدهما نور حكيم لا


(١) لعله الكاهن عندهم. والبذيذة: التقشف.

<<  <   >  >>