للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرعى ومات فيتأذى الحيوان الكريم بجيفته فلم يكن لإيجاده فائدة. وأما ألم الذبح فانه يستر، وقد قيل: أنه لا يوجد أصلا لأن الحساس للألم أغشية الدماغ لأن فيه الأعضاء الحساسة، ولذلك إذا أصابها آفة من صرع أو سكتة لم يحس الإنسان بألم فإذا قطعت الأوداج سريعا لم يصل ألم الجسم إلى محل الحس، ولهذا قال : «إذا ذبح أحدكم فليحد شفرته وليرح ذبيحته» (١).

الشبهة السادسة قالوا: ربما يكون أهل الشرائع قد ظفروا بخواص من حجارة وخشب. والجواب أن هذا كلام ينبغي أن يستحيي من اراده، فإنه لم يبق شيء من العقاقير والأحجار إلا وقد وضحت خواصها وبأن سترها، فلو ظفر واحد منهم بشيء وأظهر خاصيته لوقع الإنكار من العلماء بتلك الخواص، وقالوا: ليس هذا منك إنما هذه خاصية في هذا. ثم إن المعجزات ليست نوعا واحدا بل هي بين صخرة خرجت منها ناقة، وعصا انقلبت حية، و حجر تفجر عيونا. وهذا القرآن الذي له منذ نزل دون الستمائة سنة فالأسماع تدركه والأفكار تتدبره والتحدي به على الدوام، ولم يقدر أحد على مداناة سورة منه، فأين هذا والخاصة والسحر والشعبذة.

قال أبو الوفاء علي بن عقيل : صبأت (٢) قلوب أهل الإلحاد لانتشار كلمة الحق وثبوت الشرائع بين الخلق والامتثال لأوامرها كابن الراوندي ومن شاكله كأبي العلاء. ثم مع ذلك لا يرون المقالتهم نباهة ولا أثرا، بل الجوامع تتدفق زحاما والآذانات تملأ أسماعهم بالتعظيم لشأن النبي والإقرار بما جاء به، وإنفاق الأموال والأنفس في الحج مع ركوب الأخطار ومعاناة الأسفار ومفارقة الأهل والأولاد. فجعل بعضهم يندس في أهل النقل فيضع المفاسد على الأسانيد ويضع السير والأخبار، وبعضهم يروي ما يقارب المعجزات من ذكر خواص في أحجار وخوارق العادات في بعض البلاد وأخبار عن الغيوب عن كثير من الكهنة والمنجمين، ويبالغ معزمون (١) يكلمون الجني الذي في باطن المجنون فيكلمهم بما كان ويكونوما في إحليل مهر. والأسود كان يعظ ويقول الشيء قبل كونه. ها هنا اليوم.


(١) رواه مسلم وأصحاب السنن عن شداد بن أوس ولفظه: «ان الله تعالى كتب الاحسان على كل شيء فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة، واذا اذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».
(٢) صبأ وصبؤ: خرج من دين الى دين اخر.

<<  <   >  >>