أن الأشياء لا حقيقة لها وأن ما يستبعده يجوز أن يكون على ما نشاهده. ويجوز أن يكون على غير ما نشاهده وقد أورد العلماء عليهم، بأن قالوا لمقالتكم هذه حقيقة أم لا، فإن قلتم لا حقيقة لها وجوزتم عليها البطلان فكيف يجوز ان تدعو إلى ما لا حقيقة له فكأنكم تقرون بهذا القول أنه لا يحل قبول قولكم، وإن قلتم لها حقيقة فقد تركتم مذهبكم وقد ذكر مذهب هؤلاء أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي في كتاب «الآراء والديانات» فقال: رأيت كثيرا من المتكلمين قد غلطوا في أمر هؤلاء غلطا بينا، لأنهم ناظروهم وجادلوهم وراموا بالحجاج والمناظرة الرد عليهم، وهم لم يثبتوا حقيقة ولا أقروا بمشاهدة فكيف تكلم من يقول لا أدري أيكلمني أم لا؟ وكيف تناظر من يزعم أنه لا يدري أموجود هو أم معدوم؟ وكيف تخاطب من يدعي أن المخاطبة بمنزلة السكوت في الإبانة وأن الصحيح بمنزلة الفاسد؟ قال: ثم إنه إنما يناظر من يقر بضرورة أو يعترف بأمر فيجعل ما يقر سببا إلى تصحيح ما يجحده، فأما من لا يقر بذلك فمجادلته مطروحة، قال الشيخ: وقد رد هذا الكلام أبو الوفاء ابن عقيل فقال: إن أقواما قالوا: كيف نكلم هؤلاء وغاية ما يمكن المجادل أن المعقول إلى المحسوس، ويستشهد بالشاهد فيستدل به على الغائب، وهؤلاء لا يقولون بالمحسوسات فيم يكلمون؟ قال: وهذا كلام ضيق العطن، ولا ينبغي أن يؤيس من معالجة هؤلاء فإن ما اعتراهم ليس بأكثر من الوسواس ولا ينبغى أن يضيق عطننا عن معالجتهم، فإنهم قوم أخرجتهم عوارض انحراف مزاج وما مثلنا ومثلهم إلا كرجل رزق ولدا أحول فلا يزال يرى القمر بصورة قمرين، حتى إنه لم يشك أن في السماء قمرين، فقال له أبوه القمر واحد وإنما السوء في عينيك، غض عينك الحولاء وأنظر، فلما فعل قال أرى قمرا واحدا لأني عصبت إحدى عيني فغاب أحدهما فجاء من هذا القول شبهة ثانية فقال له أبوه إن كان ذلك كما ذكرت فغض الصحيحة ففعل فرأى قمرين. فعلم صحة ما قال أبوه *.
أنبأنا محمد بن ناصر، نا الحسن بن أحمد بن البنا، ثنا ابن دودان، نا أبو عبد الله المرزناني، ثني أبو عبد الله الحكيمي، ثني يموت بن المزرع، ثني محمد بن عيسى النظام قال: مات ابن لصالح بن عبد القدوس فمضى إليه أبو الهذيل ومعه النظام وهو غلام حدث كالمتوجع له فرآه منحرفا فقال له أبو الهذيل: لا أعرف لجزعك وجها إذا كان الناس عندك كالزرع. فقال له صالح: يا أبا الهذيل: إنما أجزع عليه، لأنه لم يقرأ كتاب