للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دماءهم، ويستترون به وينالون فيه أغراض النفوس، كمذهب التصوف، فدخلوا فيه ظاهرا وهم في الباطن كفرة، وليس لهؤلاء إلا السيف، لعنهم الله.

والقسم الثاني - قوم يقرون بالإسلام إلا أنهم ينقسمون قسمين: القسم الأول يقلدون في أفعالهم لشيوخهم من غير اتباع دليل ولا شبهة. فهم يفعلون ما يأمرونهم به وما رأوهم عليه.

والقسم الثالث - قوم عرضت لهم شبهات فعملوا بمقتضاها.

والأصل الذي نشأت منه شبهاتهم أنهم لما هموا بالنظر في مذاهب الناس لبس عليهم إبليس، فأراهم أن الشبهة تعارض الحجج، وأن التمييز يعسر وأن المقصود أجل من أن ينال بالعلم، وإنما الظفر به رزق يساق إلى العبد لا بالطلب، فسد عليهم باب النجاة الذي هو طلب العلم، فصاروا يبغضون اسم العلم، كما يبغض الرافضي اسم أبي بكر وعمر، ويقولون: العلم حجاب والعلماء محجوبون عن المقصود بالعلم، فان أنكر عليهم عالم، قالوا لأتباعهم: هذا موافق لنا في الباطن وإنما يظهر ضد ما نحن فيه للعوام الضعاف العقول، فإن جد في خلافهم قالوا: هذا أبله مقيد بقيود الشريعة محجوب عن المقصود. ثم عملوا على شبهات وقعت لهم ولو فطنوا لعلموا أن عملهم بمقتضى شبهاتهم علم، فقد بطل إنكارهم العلم.

وأنا أذكر شبهاتهم وأكشفها إن شاء الله تعالى وهي ست شبهات:

الشبهة الأولى - أنهم قالوا: إذا كانت الأمور مقدرة في القدم وأن أقواما خصوا بالسعادة، وأقواما بالشقاوة، والسعيد لا يشقى، والشقي لا يسعد، والأعمال لا تراد لذاتها بل لاجتلاب السعادة ودفع الشقاوة، وقد سبقنا وجود الاعمال، فلا وجه لا تعاب النفس فى عمل ولا نكفها عن ملذة (١)، لأن المكتوب في القدر واقع لا محالة.

والجواب عن هذه الشبهة، أن يقال لهم: هذا رد لجميع الشرائع وإبطال لجميع أحكام الكتب وتبكيت للأنبياء كلهم فيما جاءوا به، لأنه إذا قال في القرآن: ﴿أن أقيموا الصلاة﴾، قال القائل: لماذا؟ إن كنت سعيدا فمصيري إلى السعادة، وان كنت شقيا، فمصيري الى الشقاوة، فما تنفعنى اقامة.


(١) الملذة: الشهوة.

<<  <   >  >>