للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي نفقته على عيالك». ومنهم من قال: النكاح يوجب الميل إلى الدنيا، فروينا عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إذا طلب الرجل الحديث أو سافر في طلب المعاش أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا.

قال المصنف : قلت: وهذا كله مخالف للشرع، وكيف لا يطلب الحديث الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم. وكيف لا يطلب المعاش وقد قال عمر بن الخطاب : لأن أموت من سعي على رجلي أطلب كفاف وجهي أحب إلي من أن أموت غازيا في سبيل الله. وكيف لا يتزوج وصاحب الشرع يقول: «تناكحوا تناسلوا» (١) فما أرى هذه الأوضاع إلا على خلاف الشرع. فأما جماعة من متأخري الصوفية فإنهم تركوا النكاح ليقال زاهد والعوام تعظم الصوفي إذا لم تكن له زوجة، فيقولون: ما عرف امرأة قط، فهذه رهبانية تخلف شرعنا. قال أبو حامد: ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزوج فإنه يشغله عن السلوك ويأنس بالزوجة، ومن أنس بغير الله شغل عن الله تعالى.

قال المصنف : وإني لأعجب من كلامه أتراه ما علم من قصد عفاف نفسه ووجود ولد أو عفاف زوجته فإنه لم يخرج عن جادة السلوك أو يرى الأنس الطبيعي بالزوجة ينافي أنس القلوب بطاعة الله تعالى، والله تعالى قد من على الخلق بقوله: ﴿خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ (الروم: ٢١). وفي الحديث الصحيح عن جابر عن النبي قال له: «هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك (٢)». وما كان بالذي ليدله على ما يقطع أنسه بالله تعالى. أترى رسول الله لما كان ينبسط إلى نسائه ويسابق عائشة (٣) أكان خارجا عن الأنس بالله. هذه كلها جهالات بالعلم.


(١) رواه عبد الرزاق والبيهقي عن سعيد بن أبي هلال مرسلا. لكن أخرج أبو داود والنسائي والبيهيقي وغيرهم عن معقل بن يسار مرفوعا «تزوجوا الولود الودود فاني مكاثر بكم الامم يوم القيامة»، وهو حديث صحيح لطرقه (راجع آداب الزفاف للاستاذ محمد ناصر الدين الالباني ص ٥٥).
(٢) رواه البخاري.
(٣) رواه ابو داود والنسائي وابن ماجه وسنده صحيح.

<<  <   >  >>