للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقف من وراء الباب يستمع، وقد أخبرنا بها أبو منصور القزاز، نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، نا أحمد بن علي بن الحسين النوري، ثنا يوسف بن عمر القواس، قال: سمعت أبا بكر بن مالك القطيعي يحكي أظنه عن عبد الله ابن أحمد، قال: كنت أدعو ابن الخبازة القصائدي وكان يقول ويلحن وكان أبي ينهانا عن التغني، فكنت إذا كان ابن الخبازة عندي أكتمه عن أبي لئلا يسمع، فكان ذات ليلة عندي وكان يغني (١)، فعرضت لأبي عندنا حاجة وكنا في زقاق، فجاء فسمعه يغني فتسمع فوقع في سمعه شيء من قوله، فخرجت لأنظر فإذا بأبي ذاهبا وجائيا فرددت الباب فدخلت فلما كان من الغد قال لى: يا بنى اذا كان مثل هذا نعم … هذا الكلام أو معناه.

قال المصنف : وهذا ابن الخبازة كان ينشد القصائد الزهديات التي فيها ذكر الآخرة، ولذلك استمع إليه أحمد. وقول من قال ينزعج فإن الإنسان قد يزعجه الطرب فيميل يمينا وشمالا. وأما رواية ابن طاهر التي فيها فرأيته وذيله تحت إبطه يتبختر على السطح كأنه يرقص، فإنما هو من تغيير الرواة وتغييرهم لا يظنونه المعنى (٢) تصحيحا لمذهبهم في الرقص. وقد ذكرنا القدح في السلمي وفي ابن طاهر الراويين لهذه اللفظات وقد احتج لهم أبو طالب المكي على جواز السماع بمنامات، وقسم السماع إلى أنواع وهو تقسيم صوفي لا أصل له وقد ذكرنا أن من ادعى أنه يسمع الغناء ولا يؤثر عنده تحريك النفس الى الهوى فهو كاذب.

وقد أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي طالب الطبري، قال: قال بعضهم: إنا لا نسمع الغناء بالطبع الذي يشترك فيه الخاص والعام، قال: وهذا تجاهل منه عظيم لأمرين: أحدهما أنه يلزمه على هذا أن يستبيح العود والطنبور وسائر الملاهي، لأنه يسمعه بالطبع الذي لا يشاركه فيه أحد من الناس، فإن لم يستبح ذلك فقد نقض قوله، وان استباحه فقد فسق. والثاني أن هذا المدعي لا يخلو من أن يدعي أنه فارق طبع البشر وصار بمنزلة الملائكة، فإن قال هذا فقد تخرص على طبعه، وعلم كل عاقل كذبه إذا رجع إلى نفسه، ووجب أن لا يكون مجاهدا لنفسه ولا مخالفا لهواه، ولا يكون له ثواب على ترك اللذات والشهوات. وهذا لا يقوله عاقل، وإن قال أنا على طبع البشر المجبول على الهوى والشهوة قلنا له: فكيف


(١) وفي نسخة: «وكان يقول، أي ينشد» بدل قوله: ويغني في المكانين.
(٢) وفي العبارة نقص او تصحيف بالمعنى.

<<  <   >  >>