للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزهد إلا أنهم لما كانوا يلحنونها اختلفت الرواية عنه. فروى عنه ابنه عبد الله أنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني. وروى عنه إسماعيل بن إسحاق الثقفي: أنه سئل عن استماع القصائد فقال: أكرهه، هو بدعة، ولا يجالسون. وروى عنه أبو الحارث أنه قال: التغبير بدعة، فقيل له: أنه يرقق القلب. فقال: هو بدعة وروى عنه يعقوب الهاشمي: التغبير بدعة محدث، وروى عنه يعقوب بن غياث (١) كره التغبير، وإنه نهي عن استماعه.

قال المصنف: فهذه الروايات كلها دليل على كراهية الغناء. قال أبو بكر الخلال: كره أحمد القصائد لما قيل له إنهم يتماجنون، ثم روى عنه ما يدل على أنه لا بأس بها. قال المروزي: سألت أبا عبد الله عن القصائد، فقال: بدعة. فقلت له: إنهم يهجرون (٢) فقال: لا يبلغ بهم هذا كله.

قال المصنف: وقد روينا أن أحمد سمع قوالا عند ابنه صالح فلم ينكر عليه، فقال له صالح: يا أبت أليس كنت تنكر هذا؟ فقال: إنما قيل لي انهم يستعملون المنكر فكرهته، فأما هذا فأني لا أكرهه.

قال المصنف : قلت: وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء. وإنما أشار إلى ما كان في زمانهما من القصائد الزهديات، وعلى هذا يحمل ما لم يكرهه أحمد. ويدل على ما قلت أن أحمد بن حنبل سئل عن رجل مات وترك ولدا وجارية مغنية. فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال: لا تباع على أنها مغنية، فقيل له: أنها تساوي ثلاثين ألف درهم ولعلها إذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا، فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة.

قال المصنف: وإنما قال هذا لأن الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهديات بل بالأشعار المطربة المثيرة للطبع إلى العشق، وهذا دليل على أن الغناء محظور، إذ لو لم يكن محظورا ما أجاز تفويت المال على اليتيم. وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي . عندي خمر لأيتام، فقال:


(١) في النسخة الثانية - يعقوب بن محيان - ولفظ التغيير هو تغيير الذكر بدعاء وتضرع كما ذكره المصنف بعد ثماني صفحات.
(٢) هجر في نومه أو مرضه: خلط وهذى.

<<  <   >  >>