للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف: وينبغي أن يعلم أن الماء الكدر يولد الحصا في الكلى والسدد في الكبد، وأما الماء البارد فإنه إذا كانت برودته معتدلة فإنه يشد المعدة، ويقوي الشهوة، ويحسن اللون، ويمنع عفن الدم وصعود البخارات إلى الدماغ، ويحفظ الصحة، واذا كان الماء حارا أفسد الهضم وأحدث الترهل وأذبل البدن، وأدى إلى الاستسقاء والدق (١)، فإن سخن بالشمس خيف منه البرص (٢). وقد كان بعض الزهاد يقول: إذا أكلت الطيب وشربت الماء البارد متى تحب الموت، وكذلك قال أبو حامد الغزالي: إذا أكل الانسان ما يستلذه قسا قلبه وكره الموت، واذا منع نفسه شهواتها وحرمها لذاتها اشتهت نفسه الإفلات من الدنيا بالموت.

قال المصنف : واعجبا كيف يصدر هذا الكلام من فقيه أترى لو تقلبت النفس في أي فن كان من التعذيب ما أحبت الموت، ثم كيف يجوز لنا تعذيبها، وقد قال الله ﷿ ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ (النساء: ٢٩) ورضي منا بالإفطار في السفر رفقا بها، وقال: ﴿يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ (البقرة: ١٨٥) أوليست مطيتنا التي عليها وصولنا

وكيف لا نأوي لها وهي التي … بها قطعنا السهل والحزونا (٣)

وأما معاقبة أبي يزيد نفسه بترك الماء سنة فإنها حالة مذمومة لا يراها مستحسنة إلا الجهال، ووجه ذمها أن للنفس حقا ومنع الحق مستحقه ظلم، ولا يحل للإنسان أن يؤذي نفسه، ولا أن يقعد في الشمس في الصيف بقدر ما يتأذى، ولا في الثلج في الشتاء. والماء يحفظ الرطوبات الأصلية في البدن وينفذ الأغذية وقوام النفس بالأغذية، فإذا منعها أغذية الآدميين ومنعها الماء فقد أعان عليها، وهذا من أفحش الخطأ. وكذلك منعه إياها النوم، قال ابن عقيل: وليس للناس إقامة العقوبات ولا استيفاؤها من أنفسهم، يدل عليه أن إقامة الإنسان الحد على نفسه لا يجزي فإن فعله أعاده الإمام. وهذه النفوس ودائع الله ﷿ حتى أن التصرف في الأموال لم يطلق لأربابها إلا على وجوه مخصوصة.


(١) أي حمس الدق.
(٢) كأنه يشير الى حديث عائشة حين سخنت ماء في الشمس، فقال لها النبي : لا تفعلي يا حميراء فانه يورث البرص. وهو حديث موضوع فيه خالد ا بن اسماعيل. قال ابن عدي كان يضع الاحاديث، وتابعه من هو أثر منه.
(٣) الحزون مفردها الحزن، وهو ما غلظ من الارض.

<<  <   >  >>