للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعمة والنعمة تحتاج إلى شكر. والغني وإن تعب وخاطر كالمفتي والمجاهد * والفقير كالمعتزل في زاوية. وقد ذكر أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب (سنن الصوفية) باب كراهية أن يخلف الفقير شيئا. فذكر حديث الذي مات من أهل الصفة وخلف دينارين، فقال رسول اللاه صلى اللاه عليه وسلم: «كيتان» (١).

قال المصنف: وهذا احتجاج من لا يفهم الحال فان ذلك الفقير كان يزاحم الفقراء في أخذ الصدقة وحبس ما معه. فلذلك قال: كيتان، ولو كان المكروه نفس ترك المال لما قال رسول اللاه صلى اللاه عليه وسلم لسعد: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» (٢). ولما كان أحد من الصحابة يخلف شيئا، وقد قال عمر بن الخطاب رضي اللاه عنه: حث رسول اللاه صلى اللاه عليه وسلم على الصدقة فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللاه صلى اللاه عليه وسلم: «وما أبقيت لأهلك؟»، فقلت: مثله (٣). فلم ينكر عليه رسول اللاه صلى اللاه عليه وسلم. قال ابن جرير الطبري: وفي هذا الحديث دليل على بطلان ما يقوله جهلة المتصوفة أن ليس للإنسان ادخار شيء في يومه لغده. وإن فاعل ذلك قد أساء الظن بربه. ولم يتوكل عليه حق توكله. قال ابن جرير: وكذلك قوله : «اتخذوا الغنم فإنها بركة» (٤). فيه دلالة على فساد قول من زعم من المتصوفة أنه لا يصح لعبد التوكل على ربه إلا بأن يصبح ولا شيء عنده من عين ولا عرض ويمسي كذلك. ألا ترى كيف ادخر رسول اللاه صلى اللاه عليه وسلم لأزواجه قوت سنة (٥).


(١) رواه أحمد والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) متفق عليه وقد ورد قريبا.
(٣) رواه أبو داود والترمذي، وإسناده حسن كما في «المشكاة ٣/ ٢٢٣».
(٤) رواه ابن جرير وابن ماجه والطبراني والبيهقي عن أم هاني. قال في «الزوائد»: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقال في «فيض القدير» رمز السيوطي لحسنه، وهو كما قال أو أعلى. قلت ولفظه: «اتخذي غنما فإن فيها بركة».
(٥) رواه الجماعة إلا ابن ماجه في حكم الفيء ولفظ مسلم عن عمر قال: «كانت أموال بني النضير مما أفاء اللاه على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي خاصة فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله».
وفي رواية عنده: «يحبس قوت أهله منه سنة».

<<  <   >  >>