للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم أنهم يعملون بواقعاتهم (١) ولا يلتفتون إلى قول الفقيه، قال ابن عقيل: كان أبو اسحق الخراز صالحا وهو أول من لقنني كتاب الله وكان من عادته الإمساك عن الكلام في شهر رمضان، فكان يخاطب بآي القرآن فيما يعرض له من الحوائج فيقول في أذنه: «ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ» ويقول لابنه في عشية الصوم: «مِنْ بقلها وقتائها» آمرا له أن يشتري البقل، فقلت له: هذا الذي تعتقده عبادة هو معصية، فصعب عليه، فقلت: أن هذا القرآن العزيز أنزل في بيان أحكام شرعية فلا يستعمل في أغراض دنيوية، وما هذا إلا بمثابة صرك (٢) السدر (٣) والأشنان (٤) في ورق المصحف أو توسدك (٥) له. فهجرني ولم يصغ إلى الحجة.

قال المصنف: قلت: وقد يسمع الزاهد القليل العلم أشياء من العوام فيفتي به. حدثني أبو حكيم إبراهيم بن دينار الفقيه، أن رجلا استفتاه فقال: ما تقول: في امرأة طلقت ثلاثا فولدت ذكرا هل تحل لزوجها؟ قال: فقلت: لا. وكان عندي الشريف الدحالي (٦) وكان مشهورا بالزهد عظيم القدر بين العوام. قال لي: بلى تحل، فقلت: ما قال بهذا أحد، فقال: والله لقد افتيت بهذا منها هنا إلى البصرة.

قال المصنف: فانظر ما يصنع الجهل بأهله ويضاف إليه حفظ الجاه خوفا أن يرى الزاهد بعين الجهل. وقد كان السلف ينكرون على الزاهد مع معرفته بكثير من العلم أن يفتي لأنه لم يجمع شروط الفتوى، فكيف لو رأوا تخبيط المتزهدين اليوم في الفتوى بالواقعات. وبالإسناد عن إسماعيل بن شبة، قال: دخلت على أحمد بن حنبل وقد قدم أحمد بن حرب من مكة فقال لي أحمد بن حنبل: من هذا الخراساني الذي قد قدم؟ قلت: من زهده كذا وكذا ومن ورعه كذا وكذا، فقال: لا ينبغي لمن يدعي ما يدعيه أن يدخل نفسه في الفتيا.


(١) أي بأهوائهم.
(٢) صر الصرة: ربطها.
(٣) السدر: شجرة النبق.
(٤) الاشنان: ما يغسل به.
(٥) توسد الشيء: نام عليه كالوسادة.
(٦) في نسخة «الرحالي».

<<  <   >  >>