للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أستبيح الصلاة ثم يعيد فيقول: أرفع الحدث. وسبب هذا التلبيس الجهل بالشرع لأن النية بالقلب لا باللفظ، فتكلف اللفظ امر لا يحتاج إليه ثم لا معنى لتكرار اللفظ. ومنهم من يلبس عليه بالنظر في الماء المتوضأ به فيقول: من أين لك أنه طاهر ويقدر له فيه كل احتمال بعيد. وفتوى الشرع يكفيه بأن أصل الماء الطهارة فلا يترك الأصل بالاحتمال. ومنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء وذلك يجمع أربعة أشياء مكروهة: الإسراف في الماء، وتضييع العمر القيم فيما ليس بواجب ولا مندوب، والتعاطي (١) على الشريعة إذا لم يقنع بما قنعت به من استعمال الماء القليل. والدخول فيما نهت عنه من الزيادة على الثلاث، وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة أو فات أوله وهو الفضيلة أو فاتته الجماعة.

و تلبس إبليس على هذا: بأنك في عبادة ما لم تصح لا تصح الصلاة، ولو تدبر أمره لعلم أنه في مخالفة وتفريط، وقد رأينا من ينظر في هذه الوساوس ولا يبالي بمطعمه ومشربه ولا يحفظ لسانه من غيبة فليته قلب الأمر، وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف، قال: نعم وإن كنت على نهر جار (٢)» وفي الحديث عن أبي عن النبي ، قال: «للوضوء شيطان يقال له: الولهان، فاتقوه، أو قال: فاحذروه (٣)». وعن الحسن قال: شيطان الوضوء يدعى الولهان يضحك بالناس في الوضوء. وبإسناد مرفوع إلى أبي نعامة إن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك الفردوس وأسألك، فقال عبد الله: سل الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت النبي يقول: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور (٤)»، وعن ابن شوذب، قال: كان الحسن يعرض بابن سيرين يقول: يتوضأ أحدهم بقربة ويغتسل بمزادة صباصبا، ودلكا دلكا، تعذيبا لأنفسهم، وخلافا لسنة نبيهم . وكان أبو الوفاء بن عقيل يقول: أجل محصول عند العقلاء الوقت، وأقل متعبد به الماء. وقد قال


(١) تعاطى الامر: خاض فيه. وتعاطينا فعطوته: تغالبنا في العطاء فغلبته.
(٢) رواه احمد وابن ماجه وفي سنده ضعف.
(٣) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم، وفيه خارجة بن صعب.
(٤) رواه احمد وابو داود وابن ماجه. قال الحافظ ابن حجر: وهو صحيح.

<<  <   >  >>