للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون ذلك الشخص معيدا أو مدرسا فان شغله دائم، ومن ذلك ما يحكى عن بعض الأحداث المتفقهة من الانبساط في المنهيات، فبعضهم يلبس الحرير ويتحلى بالذهب ويحال على المكس (١) فيأخذه إلى غير ذلك من المعاصي وسبب انبساط هؤلاء مختلف. فمنهم من يكون فاسد العقيدة في أصل الدين وهو يتفقه ليستر نفسه أو ليأخذ من الوقف أو ليرأس أو ليناظر. ومنهم من عقيدته صحيحة لكن يغلبه الهوى وحب الشهوات وليس عنده صارف عن ذلك، لأن نفس الجدل والمناظرة تحرك الى الكبر. والعجب وإنما يتقوم الانسان بالرياضة ومطالعة سير السلف، وأكثر القوم في بعد عن هذا، وليس عندهم إلا ما يعين الطبع على شموخه، فحينئذ يسرح الهوى بلا زاد. ومنهم من يلبس عليه ابليس بأنك عالم وفقيه ومفت والعلم يدفع عن أربابه، وهيهات فان العلم أولى أن يحاجه ويضاعف عذابه كما ذكرنا في حق القراء. وقد قال الحسن البصري: إنما الفقيه من يخشى الله ﷿. قال ابن عقيل: رأيت فقيها خراسانيا عليه حرير وخواتم ذهب فقلت له: ما هذا؟ فقال: خلع السلطان وكمد الاعداء، فقلت: بل هو شماتة الأعداء بك إن كنت مسلما، لان إبليس عدوك وإذا بلغ منك مبلغك البسك ما يسخط الشرع فقد أشمته بنفسك، وهل خلع السلطان سائغة لنهي الرحمن يا مسكين. خلع عليك السلطان فانخلعت به من الإيمان، وقد كان ينبغي أن يخلع منك السلطان لباس الفسق ويلبسك لباس التقوى رماكم الله بخزيه حيث هونتم أمره هكذا ليتك قلت: هذه رعونات الطبع الآن تمت محنتك لأن عدوانك دليل على فساد باطنك.

ومن تلبيسه عليهم: أن يحسن لهم ازدراء الوعاظ ويمنعهم من الحضور عندهم فيقولون: من هؤلاء هؤلاء قصاص ومراد الشيطان أن لا يحضروا في موضع يلين فيه القلب ويخشع. والقصاص لا يذمون من حيث هذا الاسم لأن الله ﷿ قال: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحسن القصص﴾ (يوسف: ٣) وقال: ﴿فاقصص القصص﴾ (الاعراف: ١٧٦) وإنما ذم القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد ثم غالبهم يخلط فيما يورده. وربما اعتمد على ما أكثره محال، فأما إذا كان القصص صدقا ويوجب وعظا فهو ممدوح. وقد كان أحمد بن حنبل يقول: ما أحوج الناس الى قاص صدوق.


(١) مكْسه: ظلمه. والمكْس: دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في أسواق الجاهلية. أو ما يأخذه أعوان الدولة عن اشياء معينة عند بيعها أو عند ادخالها المدن.

<<  <   >  >>