للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقلة الحديث فاتسع زمانهم للأمرين، فأما في هذا الزمان فإن طرق الحديث طالت والتصانيف فيه اتسعت، وما في هذا الكتاب في تلك الكتب، وإنما الطرق تختلف فقل أن يمكن أحدا أن يجمع بين الأمرين، فترى المحدث يكتب ويسمع خمسين سنة ويجمع الكتب ولا يدري ما فيها ولو وقعت له حادثة في صلاته لافتقر إلى بعض أحداث المتفقهة الذين يترددون إليه لسماع الحديث منه، وبهؤلاء تمكن الطاعنون على المحدثين، فقالوا: زوامل (١) أسفار لا يدرون ما معهم. فان أفلح أحدهم ونظر في حديثه فربما عمل بحديث منسوخ وربما فهم من الحديث ما يفهم العامي الجاهل وعمل بذلك، وليس بالمراد من الحديث كما روينا أن بعض المحدثين روي عن رسول الله أنه نهى أن يسقى الرجل ماءه زرع غيره (٢) فقال جماعة ممن حضر: قد كنا إذا فضل عنا ماء في بساتيننا سرحناه إلى جيراننا ونحن نستغفر الله فما فهم القارئ ولا السامع ولا شعروا أن المراد وطء الحبالى من السبايا.

قال الخطابي: وكان بعض مشايخنا يروي الحديث أن النبي نهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة باسكان اللام. وأخبرني: أنه بقي أربعين سنة لا يخلق رأسه قبل الصلاة، قال: فقلت له: إنما هو الحلق جمع حلقة، وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة وأمر أن يشتغل بالصلاة وينصت للخطبة. فقال: قد فرجت علي وكان من الصالحين. وقد كان ابن صاعد كبير القدر في المحدثين لكنه لما قلت مخالطته للفقهاء كان لا يفهم جواب فتوى حتى أنه قد أخبرنا أبو منصور البزار، نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: سمعت البرقاني يقول: قال أبو بكر الأبهري الفقيه قال: كنت عند يحيى بن محمد بن صاعد فجاءته امرأة، فقالت: أيها الشيخ ما تقول في بئر سقطت فيها دجاجة فماتت، فهل الماء طاهر أو نجس؟ فقال يحيى: ويحك، كيف سقطت الدجاجة في البئر؟ قالت: لم تكن البئر مغطاة، فقال يحيى: ألا غطيتيها حتى لا يقع فيها شيء. قبال الأبهري: فقلت: يا هذه إن كان الماء تغير فهو نجس وإلا فهو طاهر. قال المصنف: وكان ابن شاهين قد صنف في الحديث مصنفات كثيرة أقلها جزء وأكثرها التفسير وهو ألف جزء وما كان يعرف من الفقه شيئا.


(١) أي حوامل كتب.
(٢) يشير الى ما رواه ابو داود في سننه رقم «٢١٥٨» عن رويفع مرفوعا: لا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسقي ماءه زرع غيره ورواه الترمذي مختصرا وقال: حديث حسن.

<<  <   >  >>