للإسلام، وهذا تلبيس عظيم لأن إعزاز الشرع باستعمال المشروع. ومن ذلك أن منهم من يتسامح بادعاء القراءة على من لم يقرأ عليه وربما كانت له إجازة منه، فقال: أخبرنا تدليسا وهو يرى أن الأمر في ذلك قريب لكونه يروي القراءات ويراها فعل خير، وينسى أن هذا كذب يلزمه إثم الكذابين.
ومن ذلك أن المقرئ المجيد يأخذ على اثنين وثلاثة ويتحدث مع من يدخل عليه والقلب لا يطيق جمع هذه الأشياء ثم يكتب خطه بأنه قد قرأ على فلان بقراءة فلان. وقد كان بعض المحققين يقول: ينبغي أن يجتمع اثنان أو ثلاثة ويأخذوا على واحد، ومن ذلك أن أقواما من القراء يتبارون بكثرة القراءة وقد رأيت من مشايخهم من يجمع الناس ويقيم شخصا ويقرأ في النهار الطويل ثلاث ختمات (١)، فإن قصر عيب، وإن أتم مدح وتجتمع العوام لذلك ويحسنونه كما يفعلون في حق السمعة، ويريهم إبليس أن في كثرة التلاوة ثوابا، وهذا من تلبيسه لأن القراءة تنبغي أن تكون لله تعالى لا للتحسين بها، و تنبغي أن تكون على تمهل، وقال ﷿: ﴿لتقرأه على الناس على مكث﴾ (الاسراء: ٦/ ١٠)، وقال ﷿: ﴿ورتل القرآن ترتيلا﴾ (المزمل: ٤) ومن ذلك أن جماعة من القراء أحدثوا قراءة الألحان وقد كانت إلى حد قريب، وعلى ذلك فقد كرهها أحمد بن حنبل وغيره ولم يكرهها الشافعي.
أنبأنا محمد بن ناصر، نا أبو علي الحسين بن سعد الهمذاني، نا أبو بكر أحمد بن علي بن لال، ثنا الفضل بن الفضل، ثنا السياحي، ثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي: أما استماع الحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به، ولا بأس بقراءة الألحان وتحسين الصوت.
قال المصنف: وقلت: إنما أشار الشافعي إلى ما كان في زمانه وكانوا يلحنون يسيرا، فأما اليوم فقد صبروا ذلك على قانون الأغاني وكلما قرب ذلك من مشابهة الغناء زادت كراهته. فان أخرج القرآن عن حد وضعه حرم. ومن ذلك أن قوما من القراء يتسامحون بشيء من الخطايا كالغيبة للنظراء، وربما أتوا أكبر من ذلك الذنب، واعتقدوا أن حفظ القرآن يرفع عنهم العذاب، واحتجوا بقوله ﵊:«لو جعل القرآن في إهاب … ».
(١) وقد قال رسول الله (ص): لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث. رواه ابو داوود والترمذي والدارمي واسناده صحيح.