للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبالنسبة لمصادر ابن إياس فهو مؤرخ صادق يستقى معلوماته عن العصر المملوكى المتأخر أوثق المصادر وأكثرها صلة بالأحداث الجارية فى مصر وقتذاك فهو على علاقة جيدة من رجال الدولة وكتاب السر وخواص السلطان فضلا عن أن أخيه الجمالى يوسف كان يعد من كبار موظفى الدولة المملوكية إذ تولى وظيفة زردكاش فى القلعة فكان يزوده بالكثير مما يحتاج إليه من مواد رسمية أو سرية لتدوين حولياته.

وابن إياس لا يتحرج فى ذكر مساوئ حكام عصره فكما يذكر محاسنهم لا يجد حرجا فى تعرية تصرفاتهم وإظهار عيوبهم وتعداد مثالبهم ومثالب خواصهم من الموظفين وعلى الرغم من أنه كتب الجزء الأخير من كتابه فى ظل السيادة العثمانية وإنتمائه إلى العنصر التركى فهو لا يتردد فى تسخيف الأتراك والتعبير عن احتقاره أياهم ولا يرقى ابن إياس من حيث اللغة والقدرة البلاغية إلى مرتبة مسكوية وبخاصة فى تأليف المناظر الجديرة بالتصوير المفزعة وتصوير الشخصيات التى يستطيع القارئ أن يتخيلها وتبقى واضحة فى ذهنه فأغلب تفاصيله أجف وأقل من أن تحقق هذا الغرض، ولكن التأثير الذى يتركه بالرغم من قصوره فى هذه الناحية، تأثير راوية أمين لحقائق مكتشفه ومكتشف واع يلاحظ ويدون الأمور التى تدل على معرفتها على قيمتها.

وكثيرا ما استعان ابن إياس بأشعاره أو أشعار غيره من شعراء ذلك العصر للتعبير عن الانفعالات التى كانت تتولد فى أعماقه بسبب حالة سياسية أو اجتماعية معينة، ومن يطفح بالكثير من الأبيات والمقطوعات الشعرية فهو يبدو من خلال أشعاره أنه عاش فردا متتبعا عن كثب حوادث المجتمع الذى تقلب فيه وليس ذلك بصفته مؤرخا معنيا بتدوين الوقائع والأخبار، بل لأنه كان إنسانا يتأثر بما حوله وبما كان يجرى فى دولة بدت عليها مخايل الاحتضار والزوال فحين توفى نور الدين على بن رحاب سنة ٨٩٦ هـ، وكان ابن رحاب واحدا من أشهر المطربين المصريين عصر ذاك، رثاه ابن إياس بقوله:

توفى نزهة الأسماع طرا … وصار العيش منا فى ذهاب

وناحت بعده الآلآت حزنا … وأظهرت الصراخ مع انتحاب

وأبدى الدف والماصول زعقا

<<  <   >  >>