للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصفر اللون، أبيض اللحية، نحيف الجسد، مهابا متجلا فى موكبه، شجاعا بطلا، مقداما، موصوفا بالفروسية، وافر العقل، ثابت الجنان، غير عجول فى أموره، يتروى فى عمل الشئ قبل وقوعه، بطئ العزل لأرباب الوظائف عارفا بأحوال المملكة يضع الأشياء فى محلها غير مسرف فى الأموال وكان محبا لجمع الأموال بسبب التجاريد وقد يحزن عليه فى أيامه شاه سوار وحسن بك الطويل وابن عثمان، فجرد إليهم عدة تجاريد وانتصر عليهم وهو نائم على سرير الملك لم يتزحزح ولم يخرج إليهم وجرد فى إيامه نحو تسع تجاريد وأطاعه العسكر والأمراء ولم يختلف عليه اثنان، وحوى من المماليك ما لا حواه غيره من الملوك واجتهد فيهم وعلمهم علوم الفروسية، وصفا له الوقت وساعدته الأقدار وطالت أيامه فى السلطنة بخلاف غيره من ملوك الترك.

فكانت مدة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية تسعة وعشرين سنة وأربعة أشهر وواحد وعشرين يوما ولم تتفق هذه المدة لأحد قبله من ملوك الترك فى ولاية واحدة وقد ساعده الزمان ونشأ من مبتداه إلى منتهاه فى عز وعظمة لم ينف ولم يسجن ولم يقيد ولا رأى قط ضيقة، وعاش فى أرغد عيش إلى أن مات على فراشه بعد هذه المدة الطويلة.

[فائدة لطيفة]

قيل إن العبد إذا جاء يوم الجمعة يكون ذلك قطع على السلطان وما ذاك إلا أنه يدعى له فى ذلك اليوم على المنابر مرتين، فقال إن فيه انتهى سعد السلطان، وقد جاء فى أيام الملك الأشرف قايتباى خمسة أعياد فى يوم الجمعة عيد فطر فى سنة ست وثمانين وعيد نحر فى سنة ثمان وثمانين وعيد نحر أيضا فى سنة ست وتسعين وثمانمائة فهذه خمسة أعياد جاءت فى يوم الجمعة فى أيام دولته وقد مكث هذه المدة الطويلة كما قال القائل:

لا يرقب النجم فى أمر تحاوله … فالله يفعل لا جدى ولا حمل

مع السعادة ما للنجم من أثر … فلا يضرك مريخ ولا زحل

ومما أنشأه من العمائر فى أيام دولته: وهو المسجد النبوى الشريف بعد ما كان قد احترق، وعمر هناك مدرسة عند بيوت العشرة، وعمر مدرسة فى مكة المشرفة عند باب السلام، وعمر مدرسة فى القدس الشريف، وعمر البرج الكبير بمدرسة الإسكندرية مكان المنار القديم وجعل به جامع يخطبه وجعل به جماعة مرابطين للجهاد فى سبيل الله وأجرى عليهم الجوامك وأشحن البرج بالسلاح وآلة الحرب، وأنشأ بالقاهرة عدة جوامع

<<  <   >  >>