ففتح برقوق عينيه بعد أن قام وقعد على حيله وقال للمملوك إيش الخبر؟ فقال إن أيتمش الخاصكى تواعد هو وجماعة من المماليك الاستادار فى هذه الساعة يريدون قتلك، فسكت برقوق ساعة. وإذا بأيتمش الخاصكى قد دخل عليه فلما رآه برقوق قام إليه وضربه بقوس كباد كان إلى جانبه، فأرماه إلى الأرض وداس عليه برجله، وقال له: يا مرا يا علق، الذى يريد أن يقتل الملوك يقع على الأرض من ضربة واحدة بقوس كباد.
ثم خرج برقوق إلى البيت، وقبض على أيتمش وسجنه بالبرج الذى بباب السلسلة ثم قعد فى المقعد وأرسل خلف الأمراء فطلعوا إليه فشكا بهم من ذلك فأشاروا عليه مسك مماليك الأسياد خمسة وستين مملوكا وأرسلهم برقوق إلى خزانة شمايل وهرب منهم جماعة إلى بلاد الروم وأمر بنفى أيتمش الخاصكى إلى قوص، فشفع فيه الأمراء فأرسله إلى الشام وبقى جماعة كبيرة من مماليك الأسياد إلى قوص فلما كان الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان من السنة المذكورة طلب الأتابكى برقوق القضاة الأربعة والخليفة وخلع الأمير صالح أمير حاج من السلطنة ورسم له بأن يقيم بدور الحرم عند أقاربه، فكانت مدة سلطنته هذه، بمصر سنة وسبعة أشهر ثم عاد إلى الملك ثانى مرة كما سيأتى ذكره فى موضعه ولما خلع الملك الصالح أمير حاج تسلطن بعده برقوق.
٢٥ - ذكر سلطنة الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد برقوق بن آنص العثمانى الجركسى الجنس الكسائى (١)
وهو الخامس والعشرون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية، وهو أول ملوك الجراكسة بمصر إن لم يصح أن بيبرس الجاشنكير كان جركسيا وأصله من مماليك يلبغا العمرى الخاصكى جلبه الخواجا عثمان بن مسافر فاشتراه منه الأتابكى يلبغا المذكور وأعتقه ومات يلبغا وهو صغير ووقع له فى أوائل عمره محن كثيرة وخدم عند منجك نائب الشام، ثم دخل إلى بيت السلطان فلما كانت قتلة الأشرف شعبان بن حسين كان برقوق من جملة من وافق على العصيان وكان يومئذ أمير عشرة ثم بقى أمير طبلخاناه ثم بقى أمير مائة مقدم ألف ثم بقى أمير أخور كبير ثم بقى أتابك العساكر فى دولة الملك المنصور على بن الأشرف شعبان ثم بقى سلطانا بعد خلع الملك الصالح أمير حاج. وكانت سلطنته فى يوم الأربعاء
(١) انظر المزيد فى: بدائع الزهور ١/ ٢٥٨، الضوء اللامع ٣/ ١٠ تاريخ المماليك ١١١.