وكان السلطان الملك الظاهر رتب خيل البريد بسبب أخبار البلاد الشامية وسرعة حضور الأخبار إلى القاهرة حتى قيل كان الخبر يصل من البلاد الشامية إلى قلعة الجبل فى أربعة أيام ويعود فى مثلها، فصارت أخبار البلاد الشامية ترد عليه فى كل جمعة مرتين. وقيل إنه أصرف على ذلك مالا عظيما حتى ترتب وتم ترتيبه، وكان مبتدأ ذلك فى سنة تسع وخمسين وستمائة، ومازال أمر البريد مستمرا بين القاهرة ودمشق، وهو عبارة عن مراكز فى كل مركز عدة خيول تعرف بخيل البريد وعندها رجال يعرفون بالسواقين ولا يقدر أحد يركب من خيل البريد إلا بأمر السلطان. وكان عند كل مركز ما يحتاج إليه المسافر من زاد وعلف وغير ذلك. واستمر الأمر على ذلك إلى أن كانت أيام الملك الناصر فرج بن برقوق. وجرى له مع تمرلنك ما جرى وخربت البلاد الشامية فى هذه الحركة، فبطل ذلك من يومئذ مع جملة ما بطل من شعار المملكة، وكان إبطاله فى سنة ثلاث وثمانمائة.
[ثم دخلت سنة اثنتين وسبعون وستمائة]
فيها: هجم الوباء بالديار المصرية وهلك فيه خلق كثيرة من الصغار والنساء وارتفع.
وفى هذه السنة: توفى أبى الحسين بن الجزار الشاعر وكان له شعر جيد وعاش من العمر واحد وسبعين سنة.
[ودخلت سنة ثلاث وسبعون وستمائة]
فيها: سافر السلطان إلى البلاد الشامية وافتتح عدة قلاع ورجع إلى القاهرة.
[ثم دخلت سنة أربع وسبعون وستمائة]
فيها: جرد السلطان العساكر إلى بلاد النوبة، وسبب ذلك أن ملك النوبة تجرأ على الأعمال القوصية وهى مدينة أسوان فأحرقها فعند ذلك جرد إليه السلطان العساكر وكان قبل ذلك تجرد إليه الأمير شمس الدين الفازفانى استادار العالية والأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار وجماعة من المماليك السلطانية، فالتقوا مع ملك النوبة فكسره وقتلوا منهم جماعة كثيرة ومسكوا أخو ملك النوبة وأمه وأخته، وهرب منهم ملك النوبة ونجا بنفسه فغنموا منه أشياء كثيرة من جوار وعبيد وغير ذلك.