ألف ألف إنسان ولم يسمع بمثل هذا الطاعون فيما تقدم، فإن الطواعين المشهورة فى الإسلام خمسة وهى: طاعون شيرور وطاعون عمواس كان بالشام فى زمن عمر بن الخطاب، والطاعون الجارف كان فى زمن عبد الله بن الزبير فى سنة سبع وستين من الهجرة، قيل مات فيه فى ثلاثة أيام فى كل يوم سبعون ألفا وقيل مات لأنس بن مالك ﵁ ثلاثة وثمانون ابنا وقيل ثلاثة وسبعون ابنا فى ثلاثة أيام، وكان قد رزق من صلبه مائة ولد. ومات لعبد الرحمن بن أبى بكر أربعون ابنا، وطاعون الفتيات كان قد كثر فيه موت العذارى بالبصرة وواسط والشام، وطاعون جاء فى سنة إحدى وثلاثين ومائة، وفيه مات المغيرة بن شعبة. فهذه الخمسة طواعين المشهورة فى صدر الإسلام، ولم يسمع بمثل هذا الطاعون الذى جاء فى سنة تسع وأربعين وسبعمائة لأنه عم الناس قاطبة من مؤمن وكافر بسائر البلاد حتى بلاد الفرنج وصار دائرا فى البلاد لعدة سنين حتى وقع أيضا فى القطط والكلاب والطيور والبهائم وأخبر جماعة من الناس أنهم شاهدوا أشياء كثيرة من حمار الوحش والبهائم والنعام وغيرها مطروحة فى البرارى وهى مطعونة تحت إبطها، وفى ذلك يقول الصلاح الصفدى خليل فى هذه الواقعة:
لا تثق بالحياة طرفة عين … فى زمان طاعونه مستطير
فكأن القبور شعلة شمع … والبرايا لها فراش تطير
وقال الشيخ زين الدين بن الوردى
يقولون شم الخل فى زمن الوبا … وفاقا لما قال الأطباء يا خلى
فإن قلت للطاعون تسطوا على الورى … يقول نعم اسطو وأنفك فى الخل
[ثم دخلت سنة خمسون وسبعمائة]
فيها: جاءت الأخبار بأن الأمير جيغا نائب طرابلس دخل إلى الشام على حين غفلة، ومنعه بعض أمراء من أمراء طرابلس فقبضوا على أرغون شاه نائب دمشق وأحاط على موجوده، وقيد أرغون شاه وسجن فلما أصبح وجدوه مذبوحا فكتب الأمير جبغا محضرا بذلك بأن أرغون شاه ذبح نفسه وهو فى السجن فوقع بين عسكر دمشق وبين الأمير جبغا بسبب ذلك وأنكروا عليه فأخرج لهم مرسوم السلطان بذلك فأخرجه من دمشق فلما خرج كاتبوا فيه السلطان مما وقع منه وانه أظهر معه مرسوم السلطان بذلك، فلما عاد الجواب من السلطان بأن ليست له علم بذلك، فخرج عسكر دمشق خلف الأمير جبغا