للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١ - ولاية أحمد بن طولون]

قال إبراهيم (١) بن وصيف شاه: كان أحمد بن طولون أصله من بنى الأتراك، وكان أبوه تركيا من مماليك الخليفة المأمون وكان أحمد رجلا شجاعا بطلا له همة عالية ولازالت الأقدار تساعده حتى تولى على مصر، وكان الخلفاء يخشون منه، فلما تولى أمر مصر استقل بخراجها وخرج على طاعة الخلفاء.

وقيل لما دخل أحمد بن طولون إلى مصر كان فى ضيق حال يحتقر برأيه، وكان بمصر رجل يقال له على بن معبد البغدادى، وكان من أكابر أهل مصر فى السعة والغناء، فلما بلغه حضور الأمير أحمد بن طولون خرج إلى ملتقاه وسلم عليه ثم أرسل إلى الأمير أحمد بعشرة آلاف دينار وكتب إليه فى رقعة ليستعين الأمير بهذا القدر فى أموره. قال: اتسعت يده وزد على هذا القدر قبلته منه وإن لم يرده فهو فى حل من ذلك فلما حضر ذلك بين يدى أحمد بن طولون فحسن موقعه عنده إلى الغاية وقبلها منه وحظى عنده على بن معبد وقدمه على سائر أهل البلد وكان يأخذ رأيه ويفضى إليه بأسراره.

وكان أحمد بن طولون يركب إلى دار على بن معبد ويعوده إذا مرض، وكانت له عنده منزلة عظيمة، فاتفق أن سعر القمح تشحط فى أيام أحمد بن طولون، فجمع أعيان الناس من أهل مصر وشاورهم فى أن يسعر القمح. فقال له على بن معبد: لا تفعل ذلك أيها الأمير. "فإن رسول الله سئل أن يسعر القمح فأبى، وقال" السعر بيد الله، أنى لا أحب أن يأتى يوم القيامة وأحد منكم يطالبنى بدينار ولا درهم " (٢).

فاغتاظ أحمد بن طولون على علي بن معبد مع وجود مكانته عنده، وقال: أنا أدعك وأدع الناس مع هذا الحديث إلى مثل اليوم، فاشتعل قلبه على بن معبد وخاف على نفسه منه، فلم يمض ثلاثة أيام حتى أقلب الله السعر ونقص منه الضعف فازداد قدر على بن معبد عند أحمد بن طولون وعظمت منزلته عنده.


(١) انظر المزيد فى: الولاة والقضاة ٢١٢ - ٢٣٢، النجوم الزاهرة ٣/ ١، بدائع الزهور ١/ ٣٧، تاريخ ابن خلدون ٤/ ٢٩٧، الكامل ٧/ ١٣٦، وفيات الأعيان ١/ ٥٥.
(٢) ورد فى مفتاح كنوز السنة.

<<  <   >  >>