القضاة وأعيان الدولة وقال لهم: إن الخليفة الظافر نزل فى مركب، فانقلبت به وغرق فى البحر الليلة. ثم قام الوزير ودخل إلى دور الحرم وأخرج ابن الظافر من عند أمه وولاه الخلافة. فلما أشاع بين الناس أن الوزير قتل الظافر، فثار الجند على الوزير وطالبوه بدم الظافر، ووقع له أمور يطول شرحها وأخر الأمر قتل الوزير عباس وابنه نصر كما سيأتى ذكره فى موضعه.
والظافر هذا هو الذى بنى الجامع المعروف الآن بجامع الفاكهانيين وهو بالقرب من الشوابين. قيل أن فى خلافة الظافر بالله العبيدى فى سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وقع وباء عظيم بين الحجاز واليمن وكانوا يسكنون فى عشرين قرية فبادت منها ثمانية عشرة قرية، ولم يبق فيها دبار ولا نافخ نار وبقيت أنعامهم وأموالهم لا فائدة لها ولا يستطيع أحد أن يسكن فى تلك القرى ولا يدخلها وكل من دخل إليها هلك من ساعته. أما القريتان الباقيتان فإنهما لم يمت منهما أحد ولا عندهما شعور بما يجرى على من حولهما من القرى مما أصابها من الموت بل هما على ما كانا عليه، لم يفقد منهما أحد فسبحان القادر على كل شئ. فكانت خلافة الظافر أربع سنين وسبعة أشهر ثم من تولى من بعده ابنه الفائز.
١٠ - ذكر خلافة الفائز بنصر الله أبى القاسم عيسى بن الظافر ابن الحافظ بن المستنصر بالله العبيدى الفاطمى (١)
بويع بالخلافة بعد قتل أبيه الظافر، وهو العاشر من خلفاء بنى عبيد بمصر، قيل لما دخل الوزير عباس إلى دور الحرم وأخرج الفائز فحمله على كتفه ففزع منه واضطرب ودام به ذلك الفزع إلى أن مات بعد مدة. وكان عمره لما تولى الخلافة ست سنين. فلما استقام أمره فى الخلافة أخذت أمه وأقاربه فى تدبير الحيلة فى قتل الوزير عباس كما يقال الموت فى طلب النار، خير من الحياة فى العار.
(١) انظر المزيد فى: دول الإسلام ٢/ ٥١، وفيات الأعيان ١/ ٣٩٥، بدائع الزهور ١/ ٦٦، اتعاظ الحنفا ٢٨٧، تاريخ ابن خلدون ٤/ ٧٥، الكامل ١١/ ٧٢ - ٩٦