أما فى القسم الذى كتب فيه عن تاريخ مصر فى عهد المماليك فيبدو أن ابن إياس قرأ لمؤرخين كثيرين ولعل هؤلاء كانوا أنفسهم من المماليك أو من موظفى الدولة التركية المملوكية أو من سواهم فمن بين هؤلاء: ابن واصل وابن الشحنة وابن أيبك الدوادار وابن الفرات والسيوطى والديار بكرى وابن دقماق وبيبرس الدوادار وابن الطولونى والعينى وخليل بن شاهين الصفوى والصيرفى والسخاوى وأبو المحاسن وغيرهم من مؤرخى العصر.
كتب ابن إياس مؤلفه التاريخى على طريقة الحوليات وهى الطريقة التى كانت شائعة بين مؤرخى ذلك العصر، فكان يدون الحوادث شهرا بعد شهر فى الأجزاء غير المعاصرة، ثم يوما بعد يوم فى الأجزاء الأخيرة، ويشبه منهجه فى ذلك كثيرا منهج ابن الجوزى فى كتابه "المنتظم فى تاريخ الملوك والأمم"، فالمعروف عن كتاب المنتظم أن مؤلفه كان يدون أخباره على هيئة تقارير شهرية أو يومية حيث تتضمن أهم الوقائع السياسية والمراسيم التى تصدرها الحكومة العباسية بتعيين أو عزل كبار موظفى الدولة على إختلاف ألقابهم، فضلا عن الأخبار التى تتصل بمظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كالوفيات وحفلات الزواج والأعياد وانتشار الأوبئة والمجاعات والرخاء وارتفاع الأسعار والنقود وبناء المدارس والمساجد والربط أو وصفه الظواهر الطبيعية كالخسوف والكسوف وفيضانات الأنهار وظهور المذنبات وهبوب الرياح وسقوط الأمطار وغيرها من الأمور التى تتصل بحياة الأفراد والأرصاد الجوية.
لقد كان كتاب "بدائع الزهور" من هذا الطراز من المدونات فهو من هذه الناحية عظيم الفائدة لمن يبحث فى تاريخ مصر عصر المماليك والعصر العثمانى فى النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية فقد كتب عن دولة المماليك وعن السلاطين والأمراء والخلفاء الذين عاشوا فى ظلهم، ووصف المنازعات التى كانت تقوم بين الأمراء المماليك على السلطة وما كان يصحب ذلك من إراقة للدماء ودمار للبلاد كذلك وصف فساد الإدارة فى العصر المملوكى واستيلاء الجند على الممتلكات الخاصة والعامة واعتداءاتهم المتكررة على المواطنين من أفراد الشعب المصرى واغتصابهم لأراضى الفلاحين وتوزيعها على شكل إقطاعات على أمراء الجند وكبار موظفى الدولة.
وفيما يخص النظم الحربية والعسكرية التى كانت قائمة فى مصر فى عصر المماليك يذكر ابن إياس معلومات قيمة عن طبيعة هذه النظم وعن الوظائف المدنية والعسكرية التى