وتحقق من ذلك نزل إلى الأسطبل وجلس بالمقعد المطل على سوق الخيل، وكان السلطان متوعكا فى جسده فلما رأى المماليك أفحشوا فى حق الأمير آقبردى وأحرقوا البيوت التى حول بيته، فشق ذلك على السلطان ثم انفض ذلك الجمع على غير صلح، وطلع السلطان إلى القلعة فلزم الفراش وثقل عليه المرض واشتد به الألم. وفى أثناء ذلك أوفى النيل المبارك فنزل الأتابكى تمراز وتوجه إلى المقياس، ثم نزل إلى الحراقة وكسر السد وانقضى ذلك، ثم إن السلطان أخذ فى النزع وانقطع منه الرجا، فعند ذلك طلع الأتابكى تمراز إلى عند السلطان فى يوم الجمعة خامس عشرين ذى القعدة فدخل إلى عنده، وقال يا مولانا السلطان إن الأحوال قد فسدت ومن الرأى أن يأخذ سيدى بسلطنة فلم يرد عليه السلطان جوابا، فأقام الأتابكى تمراز عنده ساعة ثم نزل من عنده وأخذ سيدى ابن السلطان معه ونزل به إلى باب السلسلة وقعد به فى المقعد المطل على سوق الخيل وأرسل خلف الأمير آقبردى الدوادار فأبطا عليه ولم يطلع فلم يشعر الأتابكى تمراز إلا وقد جاءته الطامة الكبرى وهو أن الأمير قانصوه خمسمائة والأمير كرتباى الأحمر وجماعة كبيرة من الأمراء والعسكر فملكوا باب السلسلة على حين غفلة فى صبيحة يوم الجمعة المذكور أعلاه، ثم قبضوا على الأتابكى تمراز وقيدوه واسجنوه فى مكان فى باب السلسلة، فلما سمع الأمير آقبردى الدوادار هرب هو والأمير شادى بك أمير أخور والأمير اينال الخسيف حاجب الحجاب والأمير قائم قريب السلطان وجماعة كثيرة من الأمراء والخاصكية ممن كانوا فى عصبة الأمير آقبردى الدوادار فاختفوا أجمعين. ثم إن المماليك والأعوام نهبوا بيوتهم وبيت الأتابكى تمراز، فلما كان يوم السبت اجتمع الأمراء فى باب السلسلة وأحضروا الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز والقضاة الأربعة وسلطنوا بن السلطان وكل ذلك والملك الأشرف قايتباى فى قيد الحياة وفيه الروح. فلما كان يوم الأحد سابع عشرين ذى القعدة من سنة إحدى وتسعمائة توفى السلطان الملك الأشرف قايتباى إلى رحمة الله تعالى فبات تلك الليلة بالقلعة، فلما كان يوم الاثنين ثامن عشرين ذى القعدة شرعوا فى تجهيزه وإخراجه وكان فى مدة مرضه منقطعا فى البيت الذى بالقرب من قاعة البحرة فغسل هناك، وقيل إنه مات بعلة البطن ثم أخرجوه وصلوا عليه قدام التلة التى كان يجلس عليها بالحوش السلطانى، ثم نزلوا به من القلعة والعسكر قدامه وكانت جنازته مشهودة فتوجهوا به إلى تربته التى أنشأها بالقرب من الشيخ عبد الله المنوفى فدفن بها ومات وقد ناف على ثمان وسبعين سنة من العمر وقيل بل وعلى الثمانين. وكان رجلا طويل القامة، عربى الوجه،