هذا ما كان من أمر السلطان الملك الناصر فرج، وأما ما كان من أمراء أهل دمشق من بعد مجئ السلطان إلى مصر فإنه خرج من دمشق فى ليلة الجمعة فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى من سنة ثلاث وثمانمائة فأصبح الناس مائجين بعضهم فى بعض وقد ركبوا على الأسوار وقد صاروا يستحثون بعضهم بعضا على القتال ويترامون بالنشاب على عسكر تمرلنك من أعلى السور فقتلوا منهم جماعة كبيرة بالنشاب واستمروا على ذلك والقتال فى كل يوم عمال.
ثم إن تمرلنك أرسل يطلب من أهل دمشق الصلح وأن يرسلوا إليه أحدا من العقلاء حتى يكلمه فوقع الاختيار من أهل دمشق إلى أن يرسلوا إليه القاضى ابن مفلح الحنبلى فأرجوه من السور بحبال، فغاب ساعة، ثم رجع من عند تمرلنك وأخبر بأنه تلطف معه فى القول حتى قال له: هذه بلد الأنبياء ﵈ وقد عتقها لأجلهم.
فلما رجع ابن مفلح صار يجدل أهل دمشق عن القتال فصار أهل البلد فرقتين، فرقة يرأها رأه ابن مفلح من الصلح، وفرقة يرى ما هى عليه من المحاربة هم الأكثر، فباتوا على ذلك تلك الليلة فلما احتجوا غلبت الفرقة التى من جهة ابن مفلح بأن يدخلوا تحت طاعة تمرلنك وإن كل من خالفهم من العامة يقتلونه.
ثم إن ابن مفلح أراد أن يفتح باب النصر الذى بدمشق. فمنعه نائب القلعة من ذلك وهددهم بإحراق البلد. ثم إن ابن مفلح تدلى من السور هو وجماعة من أعيان أهل دمشق ممن ضل عقولهم وأحسن ببالهم هذا الخداع. فلما دخلوا على تمرلنك أخذوا معهم أشياء من نوع الهدية فقبلها منهم.
ثم إن تمرلنك أرسل معهم قاضيا من عنده وعلى يده مرسوم مكتوب فيه تسعة أسطر تتضمن الإمارة لأهل دمشق على أنفسهم وأهاليهم فقرئ هذا المرسوم على المنبر بجامع بنى أمية بدمشق ففرح أهل دمشق بذلك كما قيل فى المعنى.
أمور تضحك السفهاء منها … ويبكى من عواقبها اللبيب
وفى الأمثال:
لذلك من سينصح الأعادى … ترد وبه بالغش والفساد
ثم إن ابن مفلح فتح من أبواب دمشق بابا صغيرا، وجاء أمير من أمراء تمرلنك وجلس عليه ليحفظ المدينة من التتار، كى لا يقتحمون البلد. ثم إن تمرلنك أرسل خلف ابن مفلح