للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأفرض على أهل دمشق مالا. فلما رجع ابن مفلح شرع فى جباية ما قرره تمرلنك على أهل دمشق من المال ألف ألف دينار. فلما جبيت وحملت إلى تمرلنك خوفا وقد رضى بذلك، وقال أنا ما آخذ إلا ألف يومار واليومار عندهم عشرة آلاف ألف دينار، فعند ذلك تزايدت البلايا وتعاظمت الرزايا، فصار ابن مفلح وأشياعه يفرضون على الناس الفرائض الثقيلة منها أجرة كل مسكن ثلاثة أشهر، وعلى كل رأس من عيال صاحب المنزل وأولاده عشرة دراهم، وفرضوا على أوقاف الجوامع والمساجد والمشاهد والربط حسبما يختارون من ذلك، فعند ذلك اشتدت العقوبة على الناس بسبب استخلاص الأموال. وفى هذه المدة عزت الأقوات على الناس حتى بلغ كل مد قمح بأربعين درهما والمد عبارة عن أربعة أقداح وصارت الجوامع معطلة لم يقم فيها صلاة ولم يعد فيها قنديل، وكان فى أول ما استولى تمرلنك على البلد خطب باسمه جمعة واحدة، ثم بعد ذلك لم يقم فى دمشق صلاة جمعة وترك فى جامع بنى أمية أميرا من أمراء تمرلنك يقال له شاه ملك وأغلق أبوابه ونزل فيه بعياله ونسائه وأخذ ما كان بالجامع من بسط وحصر، فستر بها بوابك الجامع على حريمه وصار هو ومن معه يضربون بالطنبور فى الجامع ويلعبون بالكعايب.

وفى هذه المدة غلقت الأسواق ومنع البيع والشراء، فلما جمع ابن مفلح بقية الأموال وحضر بها بين يدى تمرلنك. قال له هذا الحساب لنا ثلاثة آلاف ألف دينار وقد بقى من ذلك سبعة آلاف ألف دينار. وكان تمرلنك قرر مع ابن مفلح أن هذا المال الذى جمعه يكون خارجا عما تركه عسكر السلطان من السلاح والدواب وغير ذلك.

فنادى ابن مفلح فى البلدان كل من كان عنده شئ من سلاح العسكر أو قماش ودواب يحضره إلى بين يدى القاضى ابن مفلح ومن أخفى أحد من ذلك شيئا كانت روحه قبالة ذلك فأحضروا جميع أموال العسكر بين يديه فحمله ابن مفلح إلى تمرلنك، فقال له تمرلنك بقى أموال التجار الغائبين عن دمشق فأحضر له ما قدر عليه من ذلك.

فلما مثل بين يديه قال لابن مفلح بقى عليك أن تجمع كل دابة فى البلد من فرس وبغل وجمل وحمار، فجمع إليه ابن مفلح جميع دواب البلد فكانت عدتها ما يزيد على اثنى عشر ألف دابة. فلما حضرت بين يدى تمرلنك قال لابن مفلح هل بقى فى البلد شئ من سلاح أو دواب؟ فحلف ابن مفلح أن ما بقى فى البلد شئ من سلاح ولا دواب غير ذلك. فقال له تمرلنك: اكتب لى أسماء الخطط والحارات التى بدمشق، فكتب له ذلك،

<<  <   >  >>