وكان العوام يبغضون يلبغا بغضا شديدا فرجموه وسبوه إلى أن وصل إلى بيته فكان كما قال القائل:
لا يفعل الشر فتسمى به … وافعل الخير يجارى عليه
أما ترى الحية من شرها … يقتلها من لا أسات فى
فلما توجه يلبغا إلى بيته بعد جهد كبير من العوام فأرسل السلطان إلى يلبغا بعض الأمراء ليحضره فأجاب بالسمع والطاعة فطلع إلى القلعة وأخذوه وتوجهوا به إلى باب القلعة، فلما وصل إلى السلم المدرج أراد أن يركب فرسه فجذبه بعض مماليكه إلى رأس السوة عند الخوص وهو ماشى، فجاء إليه شخص من مماليكه يسمى قراتمر فحز رأسه هناك وأخذه وجعله فى مشعل وطاف بها إلى أن وصل إلى بيته الذى بالكبش وكان يلبغا فى رقبته سلفة خلف أذنه فعرف به، فما فشلوا فى قتلته، ثم إن بعض الأمراء أخذ جبته ورأسه ودفنه فى تربة خارج الباب المحروق. وفى ذلك يقول بعض الشعراء.
أياك على بدنك الموت لما … ظهرت بما نهاك الشرع عنه
فلا تعيب سواك على الذى قد … بليت به فدود الخل منه
وكانت قتلة الأتابكى يلبغا العمرى فى ليلة الأحد عاشر ربيع الآخر سنة ثمانى وستين وسبعمائة. وكان أميرا بل ملكا جليلا عظيما حوى من المماليك ما لا حواه غيره من الأمراء، إليه ينسب الطرز الطوال اليلبغاوية والصخور الكبار اليلبغاوية وأشياء كثيرة غير ذلك منسوبة إليه ومشى على نظام لم يمش عليه أحد من الأمراء قبله فى كثرة المماليك وسعة المعيشة ونفاذ الكلمة. وكان من مماليكه جماعة مقدمين ألوف وعاش فى أرغد عيش فكان كما قيل أول بيت.
خذ من زمانك ما أعطاك مغنما … وأنت ناه كهذا الدهر أمره
فالعمر كالكأس يستحلى أوايله … لكنه ربما مجت أواخره
فلما قتل يلبغا الأتابكى صارت الكلمة متفرقة بين جماعة من الأمراء وهم الأمير طقتمر النظامى والأمير آقبغا الأحمدى والأمير أسندمر الناصرى فسكن الأمير أسندمر فى بيت الأتابكى يلبغا الذى فى الكبش والتف عليه جماعة من مماليك يلبغا وأراد أن يمشى على