أمير أخور كبير توجه إلى الأمير آقبردى فى أمر الصلح وحلف له سائر الأمراء فلما وثق منهم آقبردى بذلك أذعن للصلح وعين له خلعة وفرسا بسرج ذهب وكنبوش ورسم للأمير آقبردى بأن يكون نائب طرابلس وكان أمره قد راج إلى الخير والله غالب على أمره.
ثم جاءت الأخبار فى أثناء ذلك بأن الأمير آقبردى توفى إلى رحمة الله تعالى وقيل مات بأكلة طلعت له فى وجهه فمات بها وهو فى حلب فى ثامن ذى الحجة سنة أربع وتسعمائة ودفن عند سيدى سعد الأنصارى ثم نقل من بعد ذلك إلى القاهرة ودفن فى تربته التى أنشأها فى الصحراء وذلك فى أواخر شهر صفر سنة خمس وتسعمائة. وكان أميرا مليا مهابا فتاكا جريئا، وكان أسمر اللون عربى الوجه طويل القامة نحيف الجسد بشوش الوجه ومات وله من العمر نحو أربعين سنة وكسور وكان فى دولة الأشرف قايتباى صاحب الحل والعقد بالديار المصرية والكلمة مجتمعة فيه، وكان فى أخر أمره فى دولة الملك الناصر محمد بقى أمير سلاح ودوادارا كبيرا ووزيرا واستادارا وغير ذلك من الوظائف وكان حاذقا إلى الغاية فإنه أقام يحارب عسكر مصر بمفرده نحو ثلاث سنين ولم يسلم نفسه عن عجز ولا سجن ولا تقيد قط ويهب له فى هذه الحركات ما لا ينحصر ولم يظهر عليه العجز عن ذلك وقد تقدم ما وقع فى الحروب بالديار المصرية والبلاد الشامية والبلاد الحلبية وهو لا يكل من الحروب ولا يمل إلى أن مات على فراشه وفى ذلك أقول مضمنا مقتبسا.
مات آقبردى الأمير وولى … بعد عز وحاز جاها ومالا
فأتاه من بعد ذا ريب دهر … نال منه من العنا ما أنالا
وقضى نحبه بغير قتال … وكفى الله المؤمنين القتالا
ولما مات الأمير آقبردى رسم السلطان للأمراء الذين كانوا معه وهم الأمير تانى بك قرا والأمير آقباى نائب غزة والأمير جانم مصبغة والأمير قنبك نائب الإسكندرية وغير ذلك من الأمراء ممن كانوا معه، فالأمير تانى بك قرا والأمير آقباى نائب غزة فتوجها إلى القدس الشريف، فأقام الأمير آقباى هناك مدة ومات بالقدس واستمر الأمير تانى بك قرا مقيما بالقدس. وأما الأمير جانم مصبغة فإنه أقام بالشام عند الأمير قصروه نائب الشام.
وفى هذه السنة: خرجت العرب على الحجاج عند عودتهم من مكة بالقرب من الشرفة فأخذوا الركب العراوى ونهبوا جميع ما فيه وأسروا جماعة كثيرة من الرجال والنساء