وخلع عليهم أقبية محمل ملون وتيجان كما هى عادتهم فلما عادوا وطلعوا إلى قلعة حلب وملك تمرلنك المدينة وحاصر من فى قلعتها أشد المحاصرة حتى استنزل من كان فيها من النواب والأمراء فنزلوا وهم فى قيود وجنازير فأسرهم ثم إنه صار وتنهب الأموال ويقتل الرجال ويقطع الأشجار وأسرف فى القتل حتى كادت الأرجل تطأ إلا على حبه إنسان حتى بنى على باب المدينة موازن من رءوس القتلى وكانن عدة الموازن اثنتى عشرة مئذنة نحو عشرين ذراعا وصعودها فى الهواء نحو عشرة أذرع وجعل الوجوه بارزة تسقى عليها الرماح. وأما الأجساد فتناهشتها الكلاب والوحوش وهذا غير الذى هلك تحت حوافر الخيل عند اقتحام الأبواب وغير الذى هلك من الجوع والعطش وهم فى الأسر ولا زال تمرلنك يسرف فى القتل والنهب نحو شهر وهو مقيم على حلب، ثم ارتحل عنها بعد ما أخربها وجعلها خاوية على عروشها خالية من سكانها ولقد أخبر من كان ماسورا عند عسكر تمرلنك بأنهم لم يقم عندهم أذان إلا فى حين وقت الصبح وأنهم يعتزلون النساء فى الحيض ولا يعاودون الوطء إلا بعد الاغتسال وأنهم يكلفون النساء الاغتسال حتى ولو فى الشتاء بالماء البارد.
ولما رحل تمرلنك عن حلب توجه إلى المعرة وحماة وحمص ففعل فى أهلها كما فعل فى حلب. فلما كان يوم السبت حضر إلى القاهرة مملوك تكلمش العلاى وأخبر بما جرى من هذه الأحوال وأن العسكر الحلبى والشامى انكسروا من مدة خمسة وعشرين يوما وأن تمرلنك أسر النواب وملك حلب وحماة حمص وقد أسرف فى القتل والنهب وأن بقية النواب ما يعلم لهم الخير.
فلما بلغ هذا الخبر إلى السلطان والأمراء فحصل عليهم من الحزن والأسف ما لا خير فيه واضطربت القاهرة لهذا الخبر. ثم إن السلطان أرسل اينال خطط رأس نوبة على الهجن تكشف الأخبار. ثم جاءت الأخبار بأن أوائل عسكر تمرلنك وصل إلى دمشق فعند ذلك برز المخيم الشريف إلى الريدانية وخرج السلطان من غير تهاون وكان صحبته الخليفة المتوكل على الله والقضاء الأربعة والأمراء والعسكر فعين السلطان جماعة من الأمراء بأن يتقدموا فى الجاليش المنصور فعين ستة أمراء مقدمين وهم: الأتابكى بيبرس والأمير نوروز والحافظى رأس نوبة النواب والأمير بكتمر أمير سلاح والأمير يلبغا الناصرى أحد الأمراء المقدمين الألوف والأمير اينال بن قجماس والأمير أقباى الطرنطاى حاجب الحجاب وجماعة من