كما تقدم فبقى بينه وبين برقوق حظ نفس قديم ففعل ما فعل به واتفق مع النواب وتوجهوا إلى الديار المصرية فكانت النصرة ليلبغا الناصرى على برقوق، وكما قيل فى المعنى لبعضهم:
توقع كيد من خاصمت يوما … ولا تركن إلى ود الأعادى
فإن الجرح ينلث بعد حين … إذا كان البناء على فساد
ومن هنا نرجع إلى أخبار برقوق مع يلبغا الناصرى فإنه لما رجع إليه سيدى أبو بكر بن سنقر الجمالى بما ذكره له يلبغا الناصرى بأنه لا يطيق أن يعطيه الأمان، فعند ذلك صلى برقوق صلاة العشاء هو وأمير المؤمنين فى الأسطبل السلطانى وقام الخليفة من عنده، وبقى برقوق فى نفر قليل من المماليك ثم أمرهم بالانصراف، فانصرفوا وقام برقوق من مكانه وتنكر حتى نزل من الأسطبل فعند ذلك وقع النهب فى الحواصل السلطانية وذلك فى ليلة الاثنين خامس جمادى الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، فكانت مدة سلطنة الملك الظاهر برقوق فى هذه المرة ست سنين وثمانية أشهر وسبعة وعشرين يوما، وتولى الأتابكية وأقام فيها خمس سنين إلا أشهر فكانت مدة حكمه بالديار المصرية فى هذه المرة أتابكا وسلطانا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة عشر يوما كما قيل فى المعنى.
على قدر فضل المرء تأتى خطوبه … ويعرف عنه الصبر فيما يصيبه
ومن قل فيما يتقيه اصطباره … فقد قل مما يرتجيه نصيبه
فلما كان يوم الاثنين خامس جمادى الآخر وصل الأمير يلبغا الناصرى وصحبته تمربغا الأفضلى منطاش فطلعوا إلى تخت القلعة، فتلقاهم أمير المؤمنين ونزلوا فى باب السلسلة، ثم اشتوروا ذلك اليوم فيمن يسلطنونه وباتوا تلك الليلة، فلما أصبحوا يوم الثلاثاء وقع الاختيار على سلطنة الملك الصالح أمير حاج بن الأشرف شعبان، فطلع الأمراء جميعهم إلى الحوش السلطانى وطلبوا الملك الصالح أمير حاج، فخرج من دور الحرم فقام إليه الأمراء وباسوا له الأرض وأحضروا الخليفة والقضاة الأربعة وبايعوه بالسلطنة فكان كما قيل.
لا تعجبوا من كربه قد فرجت … فرج الشدائد مثل حل عقال