تاسع عشر من شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة الموافق آخر يوم من هاتور، وكان الطالع برج الحوت. ولما تسلطن برقوق قال الأديب شهاب الدين بن العطار المصرى.
ظهر يوم الأربعاء ابتدى … با الظاهر المعتز بالقاهر
والبشر قد عم وكل امرئ … منشرح الباطن بالظاهر
وفى ذك يقول القيم خلف الغبارى من زجل لطيف.
أشرقت شمس دولة المسلمين … وزها نجم سعدها الزاهر
وصبح يوم العدل نور وظهر … واختفا ليل الظلم بالظاهر
مصر صارت روضة بهذا الملك … زاهيا طيب عبيرها منشوق
وبالأحمر تفاحها فى البياض … قد تخضب لسلطنة برقوق
ورأينا المشمش بلا زعفران … صار مخلق بجملة المخلوق
حمل البان صناجقو الزاهرة … قابلتها شطفات من التامر
زعق الطير: شاويش، وغنا الحمام … رقص الغصن والنسيم زامر
ثم إن برقوق لما تسلطن احضر الخليفة والقضاة وسائر الأمراء من الأكابر والأصاغر فى الأسطبل السلطانى وذكر لهم أن الأمور غير صالحة والأحوال غير مستقيمة وان الوقت محتاج إلى إقامة سلطان كبير لدفع العدو وسكون الاضطراب، فتكلم والقضاة مع الحنفية فى ذلك، فوقع الاختيار على سلطنة برقوق فعند ذلك خلعوا الملك الصالح أمير حاج وأخذوا الخلعة منه والترس وأحضروهما إلى برقوق فلما كان وقت الظهر صلوا وبايعه أمير المؤمنين المتوكل واحضروا له خلعة السلطنة وهى جبة سوداء وشاش أسود عذبة زركش وسيف بداوى مقلد به، وركب من الأسطبل السلطانى إلى باب سر القصر، فطلع منه إلى القصر وجلس على سرير الملك وفى حال جلوسه على التخت أمطرت السماء مطرا خفيفا فاستبشر الناس بذلك ونودى باسمه فى القاهرة، ولقب بالملك الظاهر وضج الناس بالدعاء.
ثم إن الظاهر برقوق رسم للملك الصالح أمير حاج بأن يدخل إلى دور الحرم عند إخوته، وزالت دولة بنى قلاوون وفى أولاده مائة وثلاث سنين.
ومن العجائب: أن الملك المنصور قلاوون أخذ الملك من أولاد الملك الظاهر بيبرس البندقدارى، ثم إن الملك المنصور برقوق أخذ الملك من أولاد الملك المنصور قلاوون بعد ما أقام معهم هذه المدة الطويلة والمجاراة من جنس العمل. فلما كان يوم الاثنين عمل السلطان