للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استقر بالأمير كتبغا نائب السلطنة والأمير سنجر الشجاعى وزيرا والأمير بيبرس الجاشنكير استادارا. وفى ذلك اليوم قبض الأمير كتبغا النائب على جماعة كثيرة من الأمراء وقيدهم وأرسلهم إلى الجب بالقلعة وأحاط على موجودهم وتولى عقوبتهم الأمير بيبرس الجاشنكير، فأقر منهم جماعة ممن كان سببا فى قتلة الأشرف خليل فقطعوا أيديهم وشمروا على الجمال وطافوا بهم فى القاهرة وأيديهم معلقة فى أعناقهم، فمنهم من مات وهو على الحسب. ثم إن الأمير كتبغا قبض على شمس الدين بن السلعوس وأحاط على جميع موجوده من صامت وناطق، وقبض على أقاربه وعياله وغلمانه وأصحابه، وكان المتولى أمر ذلك الأمير علم الدين الشجاعى فبات يعاقب ابن السلعوس حتى مات تحت القبر فى يوم الأحد خامس عشر صفر من السنة المذكورة واستصفى أمواله. وكان شمس الدين بن السلعوس لما حضر من مكة واستقر فى الوزارة ونال من المنزلة فى دولة الأشرف خليل ما تقدم ذكره فعند ذلك أرسل يطلب أقاربه من الشام فكلمهم أجابوه الحضور إلا شخصا من أقاربه فأنه خاف على نفسه ولم يوافق على الحضور من الشام إلى مصر وكتب إلى ابن السلعوس هذه الأبيات:

تنبه يا وزير الأرض واعلم … بأنك قد وطئت على الأفاعى (١)

فكن بالله محتسبا فإنى … أخاف عليك من نهش الشجاعى

فكان الأمر كما قاله ذلك الزجل ثم إن الشجاعى استقر فى الوزارة وصفا له الوقت بعد ابن السلعوس. وكان الشجاعى رجلا ظالما جبارا عنيدا يحب الفتن والحروب، فصار يرمى الفتن بين الأمراء وبين الأمير كتبغا فصار مع كتبغا فريق من الأمراء والجند، ومع الشجاعى فريق، قيل إن الشجاعى انفق على المماليك البرجية فى يوم واحد ثمانين ألف دينار واتفق معهم أن كل من جاب له رأس أمير يعطيه إقطاعة. فلما بلغ الأمير كتبغا ذلك لبس آلة الحرب هو وخشداشينه ووقفوا فى سوق الخيل فلما علم الشجاعى ذلك خرج من باب القلعة وعلق السنجق السلطانى ودق الكوسات حربى وبقى منتظرا يطلع إليه من الأمراء فلم يطلع إليه أحد منهم وصار الأمير كتبغا يحاصر من فى القلعة وقطع عنها الماء.


(١) وردت هذه الأبيات فى بدائع الزهور.

<<  <   >  >>