وكان العادل هذا فى أيام أخيه صلاح الدين يوسف قد استولى على عدة بلاد وطالت أيامه فى السعادة. وكان مسعود الحركات فى أفعاله إلى أن تولى ملك مصر.
وكان مولده بمدينة بعلبك فى سنة أربع وستين وخمسمائة وكان أصغر من أخيه صلاح الدين يوسف. وكان العادل هذا لما تولى ملك مصر يصيف بالشام ويشتى بمصر، وكان كثير الأكل، يأكل الخروف وحده ويحب من يواكله وكان على أكله كبير انتكاح. وهو الرابع من ملوك مصر من بنى أيوب.
ومن الحوادث فى أيامه: أن الغلاء عم أهل مصر وعقب ذلك فناء عظيم وهلك من الناس جماعة كثيرة من الأغنياء ومن الفقراء.
قال أبو شامة فى تاريخه: إن الملك العادل كفن من ماله فى مدة يسيرة (من مات) من الغرباء نحو من مائتى ألف وعشرين ألف إنسان. وكان مع الفناء غلاء عظيم حتى أكل من الكلاب والقطط شئ كثير وأكل من الأطفال شئ كبير، وكان إذا غلب القوى على الضعيف ذبحه وأكله، وقد ذبح من الأطباء فى تلك السنة جماعة كثيرة يدعونهم إلى المريض فيذبحونهم ويأكلونهم وقد غربت الأقوات وغلا سعر كل شئ وكان ذلك فى سنة سبع وتسعين وخمسمائة. وقيل إن رجلا استدعى طبيبا، فخاف الطبيب على نفسه وذهب معه وهو على وجل، فجعل الرجل يكثر من ذكر الله تعالى ويتصدق على من يجده فى الطريق من الفقراء فساءت نفس الطبيب بذلك فحين وصلا إلى الدار فوجدها خربة، فارتاع الطبيب من ذلك فخرج إليه رجل من الدار وقال لصاحبه ومع هذا البطء جئت لنا بصيد؟ فلما سمع الطبيب ذلك ولى هاربا، وما خلص إلا بعد جهد كبير.
ثم بعد مدة انصلح الحال ورخص السعر وتراجع كل شئ إلى ما كان عليه وحسنت الأوقات.
واستمر الملك العادل فى السلطنة بمصر إلى أن مرض ومات بدمشق فى ثامن جمادى الأخر سنة خمسة عشرة وستمائة ودفن بدمشق، فكان مدة سلطنته بمصر ثمانية عشرة سنة وتسعة أشهر وهو صاحب المدرسة السويفية التى بالقرب من باب الرهومة.