للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: كان أحمد بن طولون يحب جماعة العلماء والفقهاء ويحضر مجالسهم ويحضر جنائز وجوه أهل البلد ويتولى الصلاة عليهم بنفسه، وكان كثير الإنعام على أصحابه وحاشيته وكان يقول: إنى لأجد فى فهم الرجل عنى إذا خاطئته من اللذة ما لا يجده مجامع الحسناء فى جماعة.

قال الحسن بن حماد: وكان من أكابر العلماء: كنت راقدا فى منزلى وإذا بالباب يدق، فنظرت من الطاق، فإذا مشاعل رجال عند بابى. فقلت: من تريدون؟ فقالوا: الحسن بن حماد فخرجت إليهم فأرتعدت أعصابى ثم قمت فركبت وسرت معهم إلى أن وصلت إلى دار الأمير أحمد بن طولون فدخلت وسلمت ووقفت بين يديه فقال "اجلس"، فجلست فقال: لأى شئ تصلح هذه القبة؟ وكانت قبة لطيفة، يجلس فيها نحو أربعة أنفس، فقلت: تصلح للفكر، وتلاوة القرآن ومطالعة العلم، ومنادمة المحبين ". فتبسم ثم قال: ماذا تقول فى هذه المسألة؟ قلت: يقول الأمير عبد الله أيده الله بنصره.

فقال: ما تقول فيمن سلط على شئ ففعله فهل يعذب عليه؟ قال الحسن:

فعلمت أنها مسألته لا محالة. فقلت: على الفور من غاز فكر، لو كان مسلطا معذبا لكان ملك الموت أشد الناس عذابا يوم القيامة، فاستوى الأمير أحمد بن طولون جالسا وقال: أعد ما قلته، فقلت: أصلح الله الأمير لو كان كل مسلط معذبا لكان ملك الموت أشد الناس عذابا يوم القيامة. ثم قال لى: انصرف فخرجت من عنده وأنا لم أصدق بذلك فتبعنى الحاجب ودفع إلىّ مائتى دينار، وانصرفت إلى منزلى وقد ردت إلىّ روحى.

واستمر أحمد بن طولون فى ولايته على مصر إلى أن مرض وسلسل فى المرض وأشرف على الموت، فعند ذلك خرج أهل مصر إلى الصحراء ومعهم المصاحف وخرج اليهود ومعهم التوراة والنصارى ومعهم الأناجيل وخرجوا بالأطفال من الكتاتيب وتوجهوا إلى الصحراء يدعون له بالعافية فلا يزال مريضا حتى مات.

قيل فى أيام أحمد بن طولون فى سنة تسع وخمسين ومائتين تهدم المقياس الذى بالروضة، فركب أحمد بن طولون وتوجه إلى هناك ودخل إلى المقياس وكان معه القاضى بكار بن قتيبة فأمر أحمد بن طولون للمقياس بألف دينار ليصلحوا بها

<<  <   >  >>