جمادى الأول سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة: خلع الملك الظاهر يلباى من السلطنة وتولى الملك الظاهر تمربغا كما سيأتى ذكره فى موضعه ثم صاروا فمسكوا الأمراء المؤيدية أولا بأول ثم حبسوا الظاهر يلباى فى قاعة البحرة. فلما كان يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأول من السنة المذكورة أرسلوا الظاهر يلباى إلى السجن بثغر الإسكندرية هو والأمير قنبك أمير سلاح وهما فى قيود فأقام الظاهر يلباى فى السجن إلى أن مات فى أثناء الأشرف قايتباى، وذلك فى شهر صفر سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، ودفن هناك وقد جاوز من العمر نحو ستة وسبعين سنة ومات الأمير قنبك المحمودى أيضا هناك فى دولة الأشرف قايتباى فكانت مدة سلطنة الملك الظاهر يلباى بالديار المصرية شهرين إلا أربعة أيام، فكان كما قيل فى المعنى:
ركب الأهوال فى زورقه … ثم ما سلم حتى ودعا
وبه زالت دولة المؤيدية كأن لم تكن فسبحان القادر على كل شئ، وكان أكثر المؤيدية أمراء ومقدمين ألوف وأرباب وظائف فنفوا منهم جماعة إلى ثغر الإسكندرية وجماعة إلى دمياط.
ثم إن الملك الأشرف قايتباى أحضر الأمير يشبك الفقيه والأمير جانى بك كوهيه إلى الديار المصرية، وأقام بها بطالين إلى أن ماتا أجمعين وانقرضت دولتهم وزالت، وكان الظاهر يلباى فى يد الأمير خاير بك الدوادار مثل اللولب يدوره كيف يشاء فكان الأمير خاير بك قصده ليمهد لنفسه، فأشار على الظاهر يلباى بمسك الأمير قرقماش الجلب وأرغون شاه فأمسكهما، وأشار عليه بأن يولى أمير أزبك من ططخ نيابة الشام فولاه، ورسم له بأن يخرج من يومه فخرج وكان خاير بك يصح لنفسه مما ساعدته الأقدار على ذلك، وكان الظاهر يلباى ليس له فى السلطنة إلا مجرد الاسم فقط، والأمر كله للأمير خاير بك حتى أن العامة سميت السلطان "ايش كنت أنا" وكان الظاهر يلباى من عمره قليل المعرفة وكان يعرف بيلباى المجنون من حين كان خاصكيا وقد حوى من كل شئ أو حينه فى ملبسه ومأكله ومماليكه، وكان غير مقبول الشكل فجمع بين الشكل والفعل وقلة التدبير وعدم الرأى، فخرج ما له على أقبح وجه وزال سعده جملة واحدة، وكانت سلطنته وأيامه أنحس أيام مع قصرها، فهو كما قال القائل فى المعنى:
وفظ غليظ الطبع لا ود عنده … وليس لديه للأخلاء تأنيس